السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

السبت، 19 ديسمبر 2015

خطر في بالي ٦٠: التعليق على قولهم: «بشرط أمن الفتنة»


خطر في بالي التعليق على قولهم: «بشرط أمن الفتنة»؛
المراد بـ (أمن الفتنة) عند التعامل مع أصحاب البدعة، من جهات متعددة ؛
أمن الفتنة أن يكثر سواد صاحب البدعة.
أمن الفتنة أن يوهم العامي سلامة جانب صاحب البدعة.
أمن الفتنة من أن يتأثر به في مخالطته، ولذلك يؤمر بهجره والابتعاد عن مخالطته والقراءة لكتبه أو الاستماع إليه.
أمن الفتنة من أن يغتر صاحب البدعة بنفسه فيظن أنه على حق.
واشتراط العالم لهذا الشرط يقتضي أنه عند أمن الفتنة يجوز ما منعه المجيب في كلامه!
وبعض الناس لا ينتبه لهذا القيد، فيستشكل تصرفات بعض أهل العلم، في تعاملهم مع أهل البدع، وأصحاب المخالفات، و لأشرح ذلك أقول:
العالم يحذر طالب العلم المبتديء والعامي من أمور لأنه لا تؤمن عليه الفتنة.
ثم يشاهد العامي أو طالب العلم المبتدي العالم يقع فيما نهاه عنه فيستشكل، و لا إشكال العالم يأمن الفتنة بل لعله يرجو خيراً في معاملته مع صاحب البدعة؛
فلعله يقبل النصيحة.
لعله يرى تعامله معه فيرعوي ويرتدع عن باطله.
لعله يكون بذلك مانعاً له أن يستفحل في بدعته وباطله!
فالعالم هنا لم يأمن الفتنة فقط بل رجى من الخير ما تراه!

وعليه فينبغي التنبه لما يقتضيه هذا الشرط، فقد يُمنع بعض الناس عن أمور تجوز من غيرهم، ويرجى من ورائها من الخير والنفع ما لا يرجى من غيره، وذلك عند أمن الفتنة!

سؤال وجواب ٣١٢: العمل بحديث من تعارّ من الليل


سؤال : 
بالنسبة لحديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من تَعَارَّ من الليلِ فقال: لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، لهُ المُلْكُ ولهُ الحمدُ، وهوَ على كلِّ شيٍء قدير. الحمدُ للهِ، وسبحانَ اللهِ، ولا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبرُ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ. ثم قال: اللهمَّ اغفرْ لي، أو دعا، استُجِيبَ لهُ. فإن توضَّأَ وصلَّى قُبِلَتْ صلاتُهُ" (أخرجه البخاري في صحيحه: ١١٥٤).
الزيادات التي في روايات غير البخاري، مثل: "…ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ (العليِّ العظيم)…ِ"، كما صححها الألباني في صحيح ابن ماجه: (٣١٤٢).
وزيادة: "…(يُحْيِي ويميتُ، بيدِهِ الخيرُ) وهو علَى كُلِّ شيءٍ قديرٌ..."، كما صححها الألباني في صحيح الجامع: (٦١٥٦). هل تكون صحيحة ويصح ذكرها في هذا الموضع، أم يعتمد لفظ البخاري الأصح؟
وما جاء عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما من عبدٍ باتَ على طُهورٍ، ثمَّ تعار منَ اللَّيلِ، فسألَ اللَّهَ شيئًا من أمرِ الدُّنيا أومن أمرِ الآخرةِ إلَّا أعطاهُ». (صححه الألباني في صحيح ابن ماجه: ٣١٤٥). وعند أبي داود: «ما من مسلمٍ يَبِيتُ على ذِكْرٍ، طاهرًا، فيَتعارَّ من الليلِ فيسألُ اللهَ خيرًا من الدنيا والآخرةِ إلا أعطاه إياه». (صححه الألباني في صحيح أبي داود: ٥٠٤٢).
- في قوله: «بات على طُهور» و «يبيت على ذِكْرٍ، طاهرًا» هل يخصص عموم المبيت في رواية عبادة بن الصامت؟ بأن يكون هذا الفضل فقط لمن بات على طهارة ثم تعار… وليس لكل من بات ثم تعار…؟ أم للجميع؟
- في قوله: «فيَتعارَّ من الليلِ فيسألُ اللهَ خيرًا من الدنيا والآخرةِ إلا أعطاه إياه» و «يَبِيتُ على ذِكْر». 
في رواية عبادة بن الصامت ذكر: «فقال: لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ… ثم قال: اللهمَّ اغفرْ لي، أو دعا، استُجِيبَ له…».
لكن هنا لم يحدد الذكر في البداية، وكان عامًا: «فيَتعارَّ من الليلِ فيسألُ اللهَ».
فهل يعمل بالعموم أنه إذا تعار يسأل الله دون أن يسبقه بذكر: لا إله إلا الله… 
أم أن رواية عبادة في البخاري الأصح خصصت أن يبدأ بهذا الذكر ثم يسأل الله…؟

الجواب: 
الأصل الذي يعتمده أهل العلم في ذلك : أن الروايات إذا صحت سواء اتحد مخرجها أو اختلف مخرجها، وقصتها واحدة أن يضم بعضها إلى بعض، فيقيد مطلقها بمقيدها، ويخصص عامها بمخصصها. إلا إذا لزم من ذلك تأخر البيان عن وقت الحاجة، أو ترتب على ذلك إخلال باللفظ كأن تكون من باب الرواية بالمعنى.
أما إذا لم يتحد مخرجها وأمكن حمل ذلك التنوع ، فيعمل بكل لفظ على وجهه، ولا إشكال، فلكل حديث وجهته وسبيله، خاصة إذا ترتب على ذلك توهيم الثقة، أو تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وبناء على ذلك فإن حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه ضم رواياته وألفاظه بعضها إلى بعض لا بأس به.
و لا وجه لترجيح رواية البخاري على رواية سنن أبي داود لأنها جميعها صحيحة، والمسلم مخير بأن يدعو بهذا اللفظ أو بهذا اللفظ، وإن جمع بينهما بدون أن يقع خلل في العبارة لا حرج، فإن الصحيح جواز رواية الحديث بالمعنى، إلا ما خصه الدليل.
وأما حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه فيمكن العمل به على وجهه، فيكون ما جاء في حديث عبادة بن الصامت وجه، وما جاء في حديث معاذ وجه. وكل ذلك جايز؛
إذا عمل المسلم بما جاء في حديث عبادة نال فضله وأجره.
وإذا عمل بما جاء في حديث معاذ نال فضله وأجره.
وتقييد المطلق في حديث عبادة رضي الله عنهما مع اختلاف المخرج فيه نظر، لأنه يلزم منه تأخير البيان، أو نسبة التقصير إلى الراوي ، والأصل عدم توهيم الثقة!

والله الموفق.

لفت نظري ٦٣: كلمة سمعتها في وسائل الإعلام وهي (بث الكراهية)


لفت نظري كلمة سمعتها في وسائل الإعلام وهي (بث الكراهية)؛ هل نحن المسلمين نبث الكراهية؟ الحقيقة أن ديننا الإسلامي دين محبة وسلام، وإنما تأت الكراهية فيه على مستويات:
= كراهية الكافر بمعنى ترك محبته لدينه أو نصرته لأجل دينه. وهذه مخالفتها مخرجة من الملة.
وغير ذلك من الكراهية المشروعة إذا لم تقترن بهذا المعنى، فهي من قبيل المحرم ، الذي لا يجوز، ولا يكفر صاحبه، ويندرج تحت ذلك؛
= كراهية التشبه بالكافر فيما هو من عاداته الخاصة به، مع كره دينه واعتقاده. 

= كراهية الفاسق المبتدع، والحذر منه.
= كراهية الفاسق صاحب المعاصي والحذر منه.
فإن الإسلام (هُوَ الاسْتِسْلامُ للهِ بِالتَّوْحِيدِ، وَالانْقِيَادُ لَهُ بِالطَّاعَةِ، وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوثق عري الإيمان الموالاة في الله و المعاداة في الله و الحب في الله و البغض في الله"، أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، وحسنه لغيره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة تحت رقم (998).
والممارسات الخاطئة لهذه (الكراهية) ليست من الإسلام، فمن ذلك؛
# تفسير البراءة من الكفار بالعداوة والمقاتلة معهم في كل حال وكل حين. فهذا لا يستقيم، وإلا كان معنى ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطبق البراءة من الكفار لما كان يسمح لليهود بحضور مجلسه، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي!
# تفسير البراءة من الكفار باستباحة قتلهم في بلادهم، مع دخول بلدهم بشرط، والمسلمون على شروطهم.
# تفسير البراءة بقتلهم (غيلة) في بلدهم أو في غير بلدهم، عن أبي هريرةَ، عن النبي -صلَّى الله عليه وسلم- قال: "الإيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ، لا يَفْتِكُ مُؤمِنٌ" أخرجه أبود اود، وصححه لغيره الألباني، والأرنؤوط في تحقيقه لسنن أبي داود. (الفتك أن يأتي الرجل الرجل وهو غار غافل فيشد عليه فيقتله).
# تفسير البراءة بقتل أصحاب العهد والذمة. وهذا لا يجوز. وهؤلاء الكفار اليوم بيننا وبينهم عهود، ولا يجوز قتل أصحاب العهد، أخرج البخاري تحت رقم ( 3166)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا".
# تفسير البراءة بمعنى العداوة المستمرة حتى للمسلم وكأنه كافر! وهذا غلو، نعم نحذر صاحب البدعة ونبغضه، و لا يعامل معاملة الكافر إلا إذا أقيمت عليه الحجة بذلك، وإلا فإنه يصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين، بل وإذا كان فقيراً يصرف له من بيت مال المسلمين، بل ويواسى بالصدقة والإحسان إذا كان محتاجاً، وهو أولى بالتألف من الكافر، بشرط أمن الفتنة!

كشكول ١١٨٨: سياقات القرآن الكريم


سياقات القرآن الكريم
لكل سورة في القرآن الكريم سياق بحسب مقاصده الكلية التي ترجع إلى ثلاثة أمور وهي :
= تحقيق معرفة العبد لربه سبحانه وتعالى، (معرفة الله بربوبيته وبألوهيته وبأسمائه وصفاته).
= تحقيق معرفة العبد لما يحقق عبوديته لله تعالى، وذلك في العبادات والمعاملات. (معرفة الأحكام الشرعية).
= معرفة أحوال الناس وقصصهم مع أنبياء الله في دعوتهم إلى ذلك.
وهذا السياق هو المعبر عنه بالوحدة الموضوعية للسورة، أو محور موضوعات السورة.
ولكل آية سياق داخلي وخارجي.
والسياق الداخلي موقع الآية في السورة ودلالته بحسب موضوعات السورة.
والسياق الخارجي وهو سبب النزول.
وسبب النزول يأتي في سياق الدعوة والحال التي عليها الرسول صلى الله عليه وسلم والناس، فمثلاً :
كان الرسول صلى الله عليه وسلم مهتما لأمر البلاغ، يرى باجتهاده أن من مصلحة الدعوة تقصد الكبراء والمتبعين من قومه لما لهم من أثر في قومهم إذا أسلموا وآمنوا، فكان عليه الصلاة والسلام من اجتهاده يهتم بهم، وفي مرة كان مشتغلا بدعوة أناس من هؤلاء الكبراء الأغنياء أصحاب الأتباع ويعرض عليهم ليؤمنوا جاءه أحد الضعفاء الفقراء رجل أعمى ، يريد أن يسأل الرسول ويتعلم ، فقاطع الرسول صلى الله عليه وسلم في كلامه فعبس الرسول صلى الله عليه وسلم وتولى عن هذا الرجل الأعمى إلى كلامه مع هؤلاء الكفرة أصحاب المكانة والمال في أقوامهم لعلهم يؤمنوا، فنزل قوله تعالى: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى﴾.
فبين الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن عليه البلاغ والتذكير، وأن ليس له من الأمر شيء، كما قال تعالى في سورة الغاشية: ﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22)﴾. 
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمنى إيمان قومه، ويتأثر حزنا بسبب إعراضهم، قال تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ (الكهف: 6). وقال تعالى: ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ (فَاطِرٍ:8) ، وَقَالَ: ﴿وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ (النَّحْلِ:127)، وَقَالَ : ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (الشُّعَرَاءِ:3).
وبسبب هذا كان يحرص على هدايتهم، ويدعو صلى الله عليه وسلم على الذين يمنعون الناس من الإيمان، ويؤذون المؤمنين ويقتلونهم، حتى نهاه الله عن ذلك، قال تعالى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)﴾ [آل عمران: 128].
أخرج البخاري تحت رقم (4070) عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَدْعُو عَلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَالحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَزَلَتْ ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾ [آل عمران: 128]- إِلَى قَوْلِهِ - ﴿فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران: 128]
أخرج البخاري تحت رقم (4560)، ومسلم تحت رقم (1485)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ، قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَرُبَّمَا قَالَ: " إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ اللَّهُمَّ أَنْجِ الوَلِيدَ بْنَ الوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ " يَجْهَرُ بِذَلِكَ، وَكَانَ يَقُولُ فِي بَعْضِ صَلاَتِهِ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ: «اللَّهُمَّ العَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا، لِأَحْيَاءٍ مِنَ العَرَبِ» حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾ [آل عمران: 128] الآيَةَ.

ففي هذا السياق تأتي سورة عبس وتولي لتحكي مرحلة من مراحل الدعوة، واجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم عليه وسلم، حيث علمه الله تعالى أن الضعفاء المصدقين والمؤمنين أولى أن يتولاهم ويكون معهم ويحرص عليهم، ويصبر عليهم، قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)﴾ (الكهف: 28، 29).

كشكول ١١٨٧: عبرة وعظة



عبرة وعظة 
في قوله تعالى : ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ{25} وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ{26} يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ{27}مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ{28} هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ{29}﴾ جمع كل ما يمكن الإنسان في الدنيا أن يحقق لنفسه به الأمان؛
= المال ﴿ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ﴾.
= المكانة والسلطان ﴿ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ﴾، فلا قبيلته و لا ولده و لا أهله ولا مرتبته تنفعه من خزي يومئذ إذا لم يؤمن.

وإنما يكون الأمن من الخزي حينئذ لمن جاء بقلب سليم: ﴿وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ{87} يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ{88} إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ{89}﴾.
قلب سليم بالطاعة وترك المعصية، قال تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ (النمل: 89).
وإذا مات ابن آدم تبعه ماله وسلطانه وعمله، فيرجع اثنان ويدخل معه عمله! فهو إما أن (يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ. فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالح. قَالَ: فَيَقُول: رب أقِم السَّاعَة. رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي).
وإما أن (يُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِي أَضْلاعِهِ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ قَبِيحُ الثِّيَاب منتن الرّيح، فَيَقُول: أبشر بِالَّذِي يسؤك، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ مَنْ أَنْتَ: فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ. فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ. فَيَقُولُ: رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ، رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ).

هل تعلم ٧٥: أن الكفار مع اعترافهم بأن الله هو الذي خلق السماوات والأرض، معرفتهم هذه ليست بإيمان



هل تعلم أن الكفار مع اعترافهم بأن الله هو الذي خلق السماوات والأرض ، معرفتهم هذه ليست بإيمان، بل وصفهم الله بأنهم لا يؤمنون بالله العظيم؛ 
قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ{25} وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ{26} يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ{27} مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ{28} هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ{29} خُذُوهُ فَغُلُّوهُ{30} ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ{31} ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ{32} إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ{33} وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾.
ووجه ذلك أن معرفتهم بربوبية الله تعالى إذا لم يقوموا بلازمها وهو إثبات الألوهية له سبحانه وحده دون سواه ، فهي معرفة باطلة، بل فيها عدم تعظيم لله ، وهذا سر وصف الله نفسه بالعظيم في الآية: ﴿ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ﴾ فهل يعظم الله من يشرك معه غيره ويصرف له العبادة من دون الله؟!
هل يعظم الله من لا يؤمن بالبعث والحساب والنشور؟!
من لم يؤمن بالبعث والحساب والنشور، فقد نسب إلى الله العبث في خلقه للخلق، والله تعالى يقول: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ (المؤمنون:115).
فهل من ينكر البعث والحساب يعظم الله تبارك وتعالى؟
من هنا خطأ أهل العلم من صنف في الإيمان كتابا وركز فيه على توحيد الربوبية، وأن من حققه فقد آمن.
وأنكروا على من قال إبليس مؤمن بالله!
لأن الله وصف هؤلاء بأنهم كفار، ونفى عنهم الإيمان، فما لديهم من المعرفة ليس بإيمان إذ لم يحققوا لازمها من توحيد الله في ألوهيته ما تضمنته من إثبات الأسماء والصفات الحسنى له سبحانه.
فمجرد الاعتراف بالله ليس بإيمان بالله العظيم!
ومجرد معرفة الله ليست بإيمان!
ومجرد التصديق بوجوده ليست بإيمان!
إلا إذا تحقق لازمها ومتضمنها!

سؤال وجواب ٣١١: ما مناسبة ختم سورة عبس بذكر وصف القيامة؟


سؤال : 
ما مناسبة ختم سورة عبس بذكر وصف القيامة بقوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ{33} يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ{34} وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ{35} وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ{36} لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ{37} وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ{38} ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ{39} وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ{40} تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ{41} أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ{42﴾؟

الجواب : 

لما قرر الله تبارك وتعالى في أول السورة أنه لا عبرة بالأغنياء والكبراء في غناهم ومكانتهم إنما العبرة بالدين، فإنما أنت رسول عليك البلاغ، فجعل العبرة بالدين، ناسب أن يرد الأعجاز على الصدور في آخر السورة الكريمة، فذكر القيامة بهذا الوصف، الذي يبين أن لا اعتبار يوم الآخرة إلا بالدين فحتى أعظم القرابات وهي الوالدية والأخوة والبنوة والزوجية، لا اعتبار لها يوم القيامة، إنما الاعتبار بالدين ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ{34} وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ{35} وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ{36} لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ{37}﴾، فكذا من باب أولى أصحاب الغنى والمكانة في الدنيا لا اعتبار لهم من هذه الجهة إذا لم يسلموا، إنما يقدم الفقراء والضعفاء عليهم بسبب إيمانهم وإسلامهم، بل هؤلاء الضعفاء الذين اشتدت فاقتهم فاسودت وجههم بسبب الجوع وقلة ذات اليد، سيكون على حال آخر يوم القيام فهم أصحاب ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ{38} ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ{39}﴾ . وهؤلاء المعرضون عن الدعوة والدين ، لا يؤمنون بالله ولا برسوله أصحاب الترف والنعيم الذين لا تغتر بما على وجوههم الترف والنعيم فهم يوم القيامة أصحاب ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ{40} تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ{41} أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ{42﴾. والله اعلم.

كشكول ١١٨٦: تأملٌ في مناسبة هذه المعاني في دعاء الكرب


أخرج البخاري تحت رقم (6345)، ومسلم تحت رقم (2730) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عِنْدَ الكَرْبِ يَقُولُ: "لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ".
تأملٌ في مناسبة هذه المعاني في دعاء الكرب؛
شعور الإنسان بالكرب من أمر ما ، هو نتيجة استعظامه له، وظنه أنه فوق قدرته وطاقته، فلا حل له عنده، فيكرب.

وإذا شعر الإنسان بالكرب فإنه يلجأ عادة إلى أمه وأبيه، لأنهما ربياه ويجد عندهما ما يحتاجه من الشعور بالأمن والرعاية.
فجاء هذا الدعاء بعنوان الألوهية: (لا إله إلا الله) ليستحضر المسلم أنه لا ينبغي أن يتعبد ويتأله و لا يصرف شيئاً من معاني التعبد القلبي والقولي والفعلي إلا لله سبحانه وحده دون سواه.
ثم وصف الله بذكر اسمين من أسمائه سبحانه وتعالى : (العظيم الحليم)؛
فهو (العظيم) فلا شيء أعظم منه، فالله تعالى عظيم، فمن الناس من يعظم لمال، ومنهم من يعظم لفضل، ومنهم من يعظم لعلم، ومنهم من يعظم لسلطان، ومنهم من يعظم لجاه، وكل واحد من الخلق إنما يعظم لمعنى دون معنى، والله عَزَّ وجلَّ يعظم في الأحوال كلها، ومنه هذا الأمر الذي أكربك، فتذكر عظمة الله ليصغر في عينيك كل شيء غيره سبحانه.
وهو (الحليم)، صبر على ذنوب العباد وتقصيرهم، حيث أمهلهم ولم يعاجلهم بالعقوبة؛ رجاء أنَّ يتوبوا، ولو شاء؛ لأخذهم بذنوبهم فور صدورها منهم؛ فإن الذنوب تقتضي ترتب آثارها عليها من العقوبات العاجلة المتنوعة، ولكن حلمه سبحانه هو الذي اقتضى إمهالهم؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾، فما أحرى أن نتحلى بالحلم والصبر و لا نجزع لنائبة أو لمصيبة.
ثم ذكر بحقيقة ربوبيته سبحانه وتعالى: (رب السماوات والأرض) فهو الذي أحاط برعايته وبحفظه أمور الخلق أجمعين. وحتى لا يلحق هذا المعنى توهم نقص ذكر بأكبر الخلق وأعظمها فقال: ( رب العرش العظيم).