السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الجمعة، 21 نوفمبر 2014

سؤال وجواب ٥٣: ما معنى حديث: «من باع دارًا ولم يجعل ثمنها في مثلها، لم يبارك له»؟


سؤال: «ما معنى حديث: «من باع دارًا ولم يجعل ثمنها في مثلها، لم يبارك له»؟».

يجيبك فضيلة الشيخ محمد بازمول -حفظه الله-:

السؤال: «ما معنى حديث: «من باع دارًا ولم يجعل ثمنها في مثلها، لم يبارك له»؟». 

الجواب: هذا الحديث ورد عن حذيفة عند ابن ماجة والبيهقي وعن سعيد بن حريث عند أحمد وهو حديث ثابت. وهو في سلسلة الأحاديث الصحيحة تحت رقم (2327). 

ومعناه: يرشد النبي -عليه الصلاة والسلام- المسلم أنه إذا باع عقارًا أن يضع قيمته في عقار مثله؛ لأنه إذا لم يفعل ذلك قد يضيع عليه، كأن يضعه في تجارة فتخسر، أو يصرف منه حتى يفنى فلا يستفيد. 

وهو مثل قول الناس اليوم: ضع نقودك في عقار ما تخسر. 

وليس هذا حكم تكليفي، ولا دعاء، بل هو إرشاد إلى الأفضل. 

والمسلم ينبغي أن يحرص أن لا يضيع عليه ماله فيما لا ينفعه. 

والمقرر عند أهل العلم: أن الأمر والنهي إن تعلقا بتحصيل مصلحة دنيوية، لا تعلق لهما بعبادة؛ فهذا الأمر إرشادي، لا تكليف فيه؛ فلا ثواب ولا عقاب عليه، ويمثلون له بالأمر بكتابة الدّين في المداينة. 

وهذا كذلك فهو إرشاد. 


وجعل ابن عبدالبر الضابط أن يتعلق الأمر أو النهي بما هو ملكك، فهذا أمر إرشادي، والله أعلم.

كشكول ٢٢٩: الترهيب من قتل الإنسان نفسه (الانتحار)



الترهيب من قتل الإنسان نفسه (الانتحار). 

قال المنذري -رحمه الله- في كتابه (الترغيب والترهيب)، والأحاديث منقولة من (صحيح الترغيب والترهيب وأحكام الأحاديث) للألباني -رحمه الله-.

(باب الترهيب من قتل الإنسان نفسه) 

2454 - (صحيح) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من تردى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدًا مخلدًا فيها أبدا. ومن تحسى سمًا فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدا. ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدا». (رواه البخاري ومسلم والترمذي بتقديم وتأخير، والنسائي). 

(صحيح) ولأبي داود: «ومن حسا سما، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم». 

2455 - (صحيح) وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الذي يخنق نفسه، يخنقها في النار. والذي يطعن نفسه، يطعن نفسه النار. والذي يقتحم، يقتحم في النار». رواه البخاري. 

2456 - (صحيح) وعن الحسن البصري قال: حدثنا جندب بن عبد الله في هذا المسجد، فما نسينا منه حديثًا، وما نخاف أن يكون جندب كذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «كان برجل جراح، فقتل نفسه؛ فقال الله: «بدرني عبدي بنفسه؛ فحرمت عليه الجنة».».

(صحيح) وفي رواية قال: «كان فيمن قبلكم رجل به جرح، فجزع، فأخذ سكينًا فحز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات؛ فقال الله: «بادرني عبدي بنفسه... الحديث».

(صحيح) رواه البخاري ومسلم ولفظه قال: «إن رجلاً كان ممن كان قبلكم، خرجت بوجهه قرحة، فلما آذته انتزع سهمًا من كنانته، فنكأها فلم يرقأ الدم حتى مات. قال ربكم: «قد حرمت عليه الجنة».».

2457 - (ضعيف) وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه-: «أن رجلاً كانت به جراحة، فأتى قرنًا له، فأخذ مشقصًا فذبح به نفسه، فلم يصل عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-». رواه ابن حبان في صحيحه. 

2458 - (صحيح) وعن أبي قلابة -رضي الله عنه- أن ثابت بن الضحاك -رضي الله عنه- أخبره: بأنه بايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت الشجرة، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبًا متعمدًا فهو كما قال. ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة. وليس على رجل نذر فيما لا يملك. ولعن المؤمن كقتله. ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله. ومن ذبح نفسه بشيء عذب به يوم القيامة». رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي باختصار، والترمذي، وصححه ولفظه إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس على المرء نذر فيما لا يملك. ولاعن المؤمن كقاتله. ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقاتله. ومن قتل نفسه بشيء عذبه الله بما قتل به نفسه يوم القيامة».


2459 - (صحيح) وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: «ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان». فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أما إنه من أهل النار». وفي رواية: «فقالوا: «أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار». فقال رجل من القوم: «أنا صاحبه أبدا». قال: «فخرج معه، كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه». قال: «فجرح الرجل جرحًا شديدًا فاستعجل الموت، فوضع سيفه بالأرض، وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «أشهد أنك رسول الله». قال: «وما ذاك». قال: «الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار». فأعظم الناس ذلك، فقلت: «أنا لكم به»، فخرجت في طلبه حتى جرح جرحًا شديدًا، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار. وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة». (رواه البخاري ومسلم). من صحيح الترغيب والترهيب للألباني.

سؤال وجواب ٥٢: هل يصح قول القائل: «الدين المعاملة»؟


سؤال: «هل يصح قول القائل: «الدين المعاملة»؟». 

الجواب: قول القائل: «الدين المعاملة»، إذا كان يريد بها أن أخلاقك وطريقة تعاملك تكشف عن دينك، فالعبارة نحو قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «إنما بعثت؛ لأتمم مكارم الأخلاق»، أو كما قال. وقوله: «المؤمن من سلم الناس لسانه ويده». وقوله: «آية المنافق ثلاث» ونحو ذلك من الأحاديث، وتكون هذه العبارة كقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «الحج عرفة» يعني من باب ذكر أن أهم ما يميز المسلم معاملته. 

وأمّا إذا أراد القائل لهذه العبارة: أن كل من كانت معاملته سيئة فهو لا دين عنده، أو دينه باطل، والعكس بأن يريد أن من يعامل الناس معاملة حسنة فهو صاحب دين صحيح، فهذه العبارة بهذا المعنى باطلة غير صحيحة؛ لأنه قد يوجد في المسلمين من هو سيء الخلق، ولا يكفر بذلك، ولا يخرج من الدين. وقد يوجد في أهل البدع والأهواء بل والكفار من هو حسن الخلق، لكنه كافر؛ لأن الدين عند الله الإسلام، فلا يقبل منه حسن خلقه. والله أعلم. 

وجاء في كتاب الحوادث والبدع للطرطوشي (ص: 149): 
«قال الأوزاعي: «بلغني أن من ابتدع بدعة؛ خلاه الشيطان والعبادة، وألقى عليه الخشوع والبكاء؛ لكي يصطاد به».

وقال بعض الصحابة: «أشد الناس عبادة مفتون». واحتج بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الخوارج: «يحقر أحدكم صلاته في صلاته، وصيامه في صيامه، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرَّميَّةِ».»اهـ.

كشكول ٢٢٨: اشتراط التوبة لدخول الجنة، لم يقل به أحد من الأئمة



اشتراط التوبة؛ لدخول الجنة، لم يقل به أحد من الأئمة.

قال ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى (7/501): 
«فَهَذَانِ الْقَوْلَانِ: قَوْلُ الْخَوَارِجِ، الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِمُطْلَقِ الذُّنُوبِ وَيُخَلِّدُونَ فِي النَّارِ. وَقَوْلُ مَنْ يُخَلِّدُهُمْ فِي النَّارِ، وَيَجْزِمُ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لَهُمْ إلَّا بِالتَّوْبَةِ، وَيَقُولُ: «لَيْسَ مَعَهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ»؛ 

لَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِمَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ.

بَلْ هُمَا مِنْ الْأَقْوَالِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ أَهْلِ الْبِدَعِ. 

وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ وَقَفَ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ غُلَاةِ الْمُرْجِئَةِ، وَقَالَ: «لَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ يَدْخُلُ النَّارَ» هُوَ أَيْضًا مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُبْتَدَعَةِ.

بَلْ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ النُّصُوصُ، مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا. 

وَأَمَّا مَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فَهَذَا لَا نَعْرِفُهُ قَوْلًا لِأَحَدِ. 


وَبَعْدَهُ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: «مَا ثَمَّ عَذَابٌ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ تَخْوِيفٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ» وَهَذَا مِنْ أَقْوَالِ الْمَلَاحِدَةِ وَالْكُفَّ وَالْكُفَّارِ»اهـ.

كشكول ٢٢٧: هم لا زالوا يغالبون ولم يتغلبوا



هم لا زالوا يغالبون ولم يتغلبوا.

أما المتغلب فهذا حكم ولايته؛

صحة ولاية المتغلب بالسيف:

قال أبو الحسن الأشعري / فِي رسالة إلى أهل الثغر (ص: 296): «وأجمعوا عَلَى السمع والطاعة لأئمة المسلمين، وعلى أن كل من ولي شيئًا من أمورهم عن رضىً أو غلبة، وامتدت طاعته من بَرٍّ وفاجر لا يلزم الخروج عليهم بالسيف جار أو عدل، وعلى أن يغزوا معهم العدو، ويُحج معهم البيت، وتدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها، ويصلى خلفهم الجمع والأعياد» اهـ.

قَالَ ابن قُدامة فِي المغني (9/5): «وجُملة الأمر أن من اتفق المسلمون عَلَى إمامته، وبيعته، ثبتت إمامته، ووجبت معونته؛ لمَا ذكرنا من الحديث والإجماع، وفي معناه من ثبتت إمامته بعهد النَّبِي د أو بعده إمام قبله إليه، فإن أبا بكر ثبتت إمامته بإجماع الصحابة عَلَى بيعته، وعمر ثبتت إمامته بعهد أبي بكر إليه، وأجمعَ الصحابة عَلَى قبوله، 

ولو خرج رجل عَلَى الإمام فقهره وغلب الناس بسيفه، حتَّى أقروا له، وأذعنوا بطاعته، وتابعوه؛ صار إمامًا يَحرم قتاله، والخروج عليه، 

فإن عبد الملك بن مروان خرج عَلَى ابن الزبير، فقتله واستولى عَلَى البلاد وأهلها حتَّى بايعوه طوعًا وكرهًا، فصار إمامًا يَحرم الخروج عليه، وذلك لِمَا فِي الخروج عليه من شق عصا المسلمين، وإراقة دمائهم، وذهاب أموالِهم... 

فمن خرج عَلَى من ثبتت إمامته بأحد هذه الوجوه باغيًا وجب قتاله»اهـ.


وقال الحافظ ابن حجر فِي الفتح (13/7): «وقد أجمع الفقهاء عَلَى وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لِما فِي ذَلِكَ من حقن الدماء، وتسكين الدهماء»اهـ.

كشكول ٢٢٦: التشبه بالبهائم فيما ذمه الشرع مذموم



التشبه بالبهائم فيما ذمه الشرع مذموم.

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- مجموع الفتاوى (33/256): 
«التَّشَبُّهُ بِالْبَهَائِمِ فِي الْأُمُورِ الْمَذْمُومَةِ فِي الشَّرْعِ مَذْمُومٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ: فِي أَصْوَاتِهَا وَأَفْعَالِهَا؛ وَنَحْوِ ذَلِكَ 

مِثْلُ: أَنْ يَنْبَحَ نَبِيحَ الْكِلَابِ؛ 

أَوْ يَنْهَقَ نَهِيقَ الْحَمِيرِ. وَنَحْوَ ذَلِكَ.

وَذَلِكَ لِوُجُوهِ: 

(أَحَدُهَا): أَنَّا قَرَّرْنَا فِي (اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ) نَهْيَ الشَّارِعِ عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْآدَمِيِّينَ الَّذِينَ جِنْسُهُمْ نَاقِصٌ. كَالتَّشَبُّهِ بِالْأَعْرَابِ، وَبِالْأَعَاجِمِ، وَبِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فِي أُمُورٍ مِنْ خَصَائِصِهِمْ. وَبَيَّنَّا أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ؛ أَنَّ الْمُشَابِهَةَ تُورِثُ مُشَابَهَةَ الْأَخْلَاقِ. وَذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ أَكْثَرَ عِشْرَةَ بَعْضِ الدَّوَابِّ اكْتَسَبَ مِنْ أَخْلَاقِهَا: كَالْكَلَّابِينَ، وَالْجَمَّالِينَ. وَذَكَرْنَا مَا فِي النُّصُوصِ مِنْ ذَمِّ أَهْلِ الْجَفَاءِ وَقَسْوَةِ الْقُلُوبِ: أَهْلَ الْإِبِلِ، وَمِنْ مَدْحِ أَهْلِ الْغَنَمِ؛ فَكَيْفَ يَكُونُ التَّشَبُّهُ بِنَفْسِ الْبَهَائِمِ فِيمَا هِيَ مَذْمُومَةٌ بَلْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ النَّهْيَ عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْبَهَائِمِ مُطْلَقًا فِيمَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْمُومًا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْعُو إلَى فِعْلِ مَا هُوَ مَذْمُومٌ بِعَيْنِهِ؛ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كَوْنَ الشَّخْصِ أَعْرَابِيًّا أَوْ عَجَمِيًّا خَيْرٌ مِنْ كَوْنِهِ كَلْبًا أَوْ حِمَارًا أَوْ خِنْزِيرًا، فَإِذَا وَقَعَ النَّهْيُ عَنْ التَّشَبُّهِ بِهَذَا الصِّنْفِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ فِي خَصَائِصِهِ؛ لِكَوْنِ ذَلِكَ تَشَبُّهًا فِيمَا يَسْتَلْزِمُ النَّقْصَ وَيَدْعُو إلَيْهِ، فَالتَّشَبُّهُ بِالْبَهَائِمِ فِيمَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِهَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَذْمُومًا وَمَنْهِيًّا عَنْهُ. 

(الْوَجْهُ الثَّانِي): أَنَّ كَوْنَ الْإِنْسَانِ مِثْلَ الْبَهَائِمِ مَذْمُومٌ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}.

(الْوَجْهُ الثَّالِثُ): أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا شَبَّهَ الْإِنْسَانَ بِالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ وَنَحْوِهِمَا فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ لَهُ كَقَوْلِهِ: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} {سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ}. وَقَالَ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا...} الْآيَةَ. وَإِذَا كَانَ التَّشَبُّهُ بِهَا إنَّمَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الذَّمِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ الْمَذْمُومُ التَّشَبُّهَ بِهَا؛ فَالْقَاصِدُ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِهَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَذْمُومًا، لَكِنْ إنْ كَانَ تَشَبَّهَ بِهَا فِي عَيْنِ مَا ذَمَّهُ الشَّارِعُ، صَارَ مَذْمُومًا مِنْ وَجْهَيْنِ. وَإِنْ كَانَ فِيمَا لَمْ يَذُمُّهُ بِعَيْنِهِ، صَارَ مَذْمُومًا مِنْ جِهَةِ التَّشَبُّهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْوُقُوعِ فِي الْمَذْمُومِ بِعَيْنِهِ. يُؤَيِّدُ هَذَا: 

(الْوَجْهُ الرَّابِعُ): وَهُوَ قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الصَّحِيحِ: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ؛ لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ». وَلِهَذَا يُذْكَرُ: أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَد تَنَاظَرَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ: «الْكَلْبُ لَيْسَ بِمُكَلَّفِ». فَقَالَ لَهُ أَحْمَد: «لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ». وَهَذِهِ الْحُجَّةُ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْمَثَلَ؛ إلَّا لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا شَابَهَ الْكَلْبَ كَانَ مَذْمُومًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْكَلْبُ مَذْمُومًا فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ التَّكْلِيفِ؛ وَلِهَذَا لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ بَيَّنَ بِقَوْلِهِ: {سَاءَ مَثَلًا} أَنَّ التَّمْثِيلَ بِالْكَلْبِ مَثَلُ سَوْءٍ، وَالْمُؤْمِنُ مُنَزَّهٌ عَنْ مَثَلِ السَّوْءِ. فَإِذَا كَانَ لَهُ مَثَلُ سَوْءٍ مِنْ الْكَلْبِ، كَانَ مَذْمُومًا بِقَدْرِ ذَلِكَ الْمَثَلِ السَّوْءِ. 

(الْوَجْهُ الْخَامِسُ): أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ». وَقَالَ: «إذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مَنْ فَضْلِهِ، وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحَمِيرِ فَتَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ؛ فَإِنَّهَا رَأَتْ شَيْطَانًا» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَصْوَاتَهَا مُقَارِنَةٌ لِلشَّيَاطِينِ، وَأَنَّهَا مُنَفِّرَةٌ لِلْمَلَائِكَةِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُشَابِهَ لِلشَّيْءِ لَا بُدَّ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ مِنْ أَحْكَامِهِ بِقَدْرِ الْمُشَابَهَةِ. فَإِذَا نَبَحَ نِبَاحَهَا كَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ مُقَارَنَةِ الشَّيَاطِينِ، وَتَنْفِيرُ الْمَلَائِكَةِ بِحَسَبِهِ. وَمَا يَسْتَدْعِي الشَّيَاطِينَ وَيُنَفِّرُ الْمَلَائِكَةَ لَا يُبَاحُ إلَّا لِضَرُورَةِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُبَحْ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ إلَّا لِضَرُورَةِ؛ لِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ: كَالصَّيْدِ، أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ عَنْ الْمَاشِيَةِ وَالْحَرْثِ حَتَّى قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أَوْ حَرْثٍ، أَوْ صَيْدٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ». (وَبِالْجُمْلَةِ) فالتَّشَبُّهُ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي مِنْ الْحَمْدِ وَالذَّمِّ بِحَسَبِ الشَّبَهِ؛ لَكِنَّ كَوْنَ الْمُشَبَّهِ بِهِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ لَا يَنْفِي التَّكْلِيفَ عَنْ الْمُتَشَبِّهِ، كَمَا لَوْ تَشَبَّهَ بِالْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِين. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(الْوَجْهُ السَّادِسُ): أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لَعَنَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، والمتشبهات مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَجَعَلَ صَلَاحَهُ وَكَمَالَهُ فِي أَمْرٍ مُشْتَرِكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَبَيْنَ أَمْرٍ مُخْتَصٍّ بِهِ. فَأَمَّا الْأُمُورُ الْمُشْتَرِكَةُ فَلَيْسَتْ مِنْ خَصَائِصِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مَوَاقِعِ النَّهْيِ، وَإِنَّمَا مَوَاقِعُ النَّهْيِ الْأُمُورُ الْمُخْتَصَّةُ. فَإِذَا كَانَتْ الْأُمُورُ الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِ النِّسَاءِ لَيْسَ لِلرِّجَالِ التَّشَبُّهُ بِهِنَّ فِيهَا، وَالْأُمُورُ الَّتِي مِنْ خَصَائِصِ الرِّجَالِ لَيْسَ لِلنِّسَاءِ التَّشَبُّهُ بِهِمْ فِيهَا،


فَالْأُمُورُ الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِ الْبَهَائِم لَا يَجُوزُ لِلْآدَمِيِّ التَّشَبُّهُ بِالْبَهَائِمِ فِيهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى. وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيَوَانِ قَدْرٌ جَامِعٌ مُشْتَرِكٌ، وَقَدْرٌ فَارِقٌ مُخْتَصٌّ. ثُمَّ الْأَمْرُ الْمُشْتَرِكُ: كَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْأَصْوَاتِ، وَالْحَرَكَاتِ لَمَّا اقْتَرَنَتْ بِالْوَصْفِ الْمُخْتَصِّ كَانَ لِلْإِنْسَانِ فِيهَا أَحْكَامٌ تَخُصُّهُ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِمَا يَفْعَلُهُ الْحَيَوَانُ فِيهَا. فَالْأُمُورُ الْمُخْتَصَّةُ بِهِ أَوْلَى، مَعَ أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَا مُشْتَرَكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَلَكِنْ فِيهِ أَوْصَافٌ تُشْبِهُ أَوْصَافَهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ. وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرِكُ إنَّمَا وُجُودُهُ فِي الذِّهْنِ لَا فِي الْخَارِجِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ الْإِنْسَانَ مُخَالِفًا بِالْحَقِيقَةِ لِلْحَيَوَانِ، وَجَعَلَ كَمَالِهِ وَصَلَاحَهُ فِي الْأُمُورِ الَّتِي تُنَاسِبُهُ، وَهِيَ جَمِيعُهَا لَا يُمَاثِلُ فَهَا الْحَيَوَانَ. فَإِذَا تَعَمَّدَ مُمَاثَلَةَ الْحَيَوَانِ، وَتَغْيِيرَ خَلْقِ اللَّهِ؛ فَقَدْ دَخَلَ فِي فَسَادِ الْفِطْرَةِ وَالشِّرْعَةِ، وَذَلِكَ مُحَرَّمٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ»اهـ.

كشكول ٢٢٥: لا يقلد إلا جاهل أو غبي!



لا يقلد إلا جاهل أو غبي!

جاء في رفع الأصر عن قضاة مصر (1/120 الشاملة).: 

«قال الطحاوي: كَانَ أبو عبيد (هو علي بن الحسين بن حرب، ويقال حَرْبُويَه بن عيسى البغدادي، الفقيه الشافعي من أهل المائة الرابعة يكنى أبا عبيد، ويقال لَهُ ابن حربويه، وهو بِهَا أشهر توفي سنة 319هـ)، يذاكرني بالمسائل، فأجبته يوماً فِي مسألة، 

فقال لي: «مَا هَذَا قول أبي حنيفة؟!». 

فقلت لَهُ: «أَيُّها القاضي، أوَ كل مَا قاله أبو حنيفة أقول بِهِ». 

قال: «مَا ظننتك إِلاَّ مقلِّداً». 

فقلت لَهُ: «وهل يقلد إِلاَّ عَصَبِي». فقال لي: «أَوْ غبي»"اهـ.

قلت (محمد بازمول): المقصود الحث على التعلم وطلب العلم، وإلا فإن فرض الجاهل أن يسأل أهل العلم، ويتبع كلامهم، كما تعبده الله تعالى بذلك، قال تبارك وتعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}. (النحل: 43).


والله المستعان وعليه التكلان.

كشكول ٢٢٤: تعلموا -بارك الله فيكم- أن لا تتكلموا فيما شجر بين الصحابة؛ لأن هذا يفتح باب فتنة... وتعلم أن لا تفتح بابا للشر بسؤال لا تؤمن عواقبه



تعلموا -بارك الله فيكم- أن لا تتكلموا فيما شجر بين الصحابة؛ لأن هذا يفتح باب فتنة؛ ولهذا حذر الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الكلام في ذلك

قال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكر النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا». انظر تخريجه في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم: (34).

وتعلم أن لا تفتح بابا للشر بسؤال لا تؤمن عواقبه!


وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه.

كشكول ٢٢٣: الأسباب الموجبة لزوال عقوبة الذنوب



الأسباب الموجبة لزوال عقوبة الذنوب.

قال ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى (7/487-500): 

«قَدْ دَلَّتْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: عَلَى أَنَّ عُقُوبَةَ الذُّنُوبِ تَزُولُ عَنْ الْعَبْدِ بِنَحْوِ عَشَرَةِ أَسْبَابٍ:

(أَحَدُهَا): التَّوْبَةُ. وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.

(السَّبَبُ الثَّانِي): الِاسْتِغْفَارُ. كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «إذَا أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ: «أَيْ رَبِّ أَذْنَبْت ذَنْبًا فَاغْفِرْ لِي». فَقَالَ: «عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِهِ؛ قَدْ غَفَرْت لِعَبْدِي». ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ، فَقَالَ: «أَيْ رَبِّ أَذْنَبْت ذَنْبًا آخَرَ. فَاغْفِرْهُ لِي». فَقَالَ رَبُّهُ: «عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِهِ؛ قَدْ غَفَرْت لِعَبْدِي فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ». قَالَ ذَلِكَ: فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ»، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا، لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمِ يُذْنِبُونَ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَ؛ فَيَغْفِرُ لَهُمْ». وَقَدْ يُقَالُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: الِاسْتِغْفَارُ هُوَ مَعَ التَّوْبَةِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ: «مَا أَصَرَّ مَنْ اسْتَغْفَرَ، وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ»، وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ الِاسْتِغْفَارُ بِدُونِ التَّوْبَةِ مُمْكِنٌ وَاقِعٌ وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ، فَإِنَّ هَذَا الِاسْتِغْفَارَ إذَا كَانَ مَعَ التَّوْبَةِ مِمَّا يُحْكَمُ بِهِ عَامٌّ فِي كُلِّ تَائِبٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ التَّوْبَةِ فَيَكُونُ فِي حَقِّ بَعْضِ الْمُسْتَغْفِرِينَ الَّذِينَ قَدْ يَحْصُلُ لَهُمْ عِنْدَ الِاسْتِغْفَارِ مِنْ الْخَشْيَةِ وَالْإِنَابَةِ مَا يَمْحُو الذُّنُوبَ، كَمَا فِي حَدِيثِ الْبِطَاقَةِ بِأَنَّ قَوْلَ: «لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» ثَقُلَتْ بِتِلْكَ السَّيِّئَاتِ؛ لَمَّا قَالَهَا بِنَوْعِ مِنْ الصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ الَّذِي يَمْحُو السَّيِّئَاتِ. وَكَمَا غَفَرَ لِلْبَغِيِّ بِسَقْيِ الْكَلْبِ؛ لِمَا حَصَلَ فِي قَلْبِهَا، إذْ ذَاكَ مِنْ الْإِيمَانِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ.

(السَّبَبُ الثَّالِثُ): الْحَسَنَاتُ الْمَاحِيَةُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}، وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إذَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ»، وَقَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، وَقَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، وَقَالَ: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ؛ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»، وَقَالَ: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ، وَالصِّيَامُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ»، وَقَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ»، وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَأَمْثَالُهَا فِي الصِّحَاحِ. وَقَالَ: «الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ ،وَالْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ».

(السَّبَبُ الرَّابِعُ الدَّافِعُ لِلْعِقَابِ): دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لِلْمُؤْمِنِ، مِثْلُ: صَلَاتِهِمْ عَلَى جِنَازَتِهِ. فَعَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ إلَّا شُفِّعُوا فِيهِ». (رواه مسلم)، وَهَذَا دُعَاءٌ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُحْمَلَ الْمَغْفِرَةُ عَلَى الْمُؤْمِنِ التَّقِيِّ الَّذِي اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ وَكُفِّرَتْ عَنْهُ الصَّغَائِرُ وَحْدَهُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مَغْفُورٌ لَهُ عِنْدَ الْمُتَنَازِعِينَ. فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَغْفِرَةِ لِلْمَيِّتِ.

(السَّبَبُ الْخَامِسُ): مَا يُعْمَلُ لِلْمَيِّتِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ. كَالصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا؛ فَإِنَّ هَذَا يَنْتَفِعُ بِهِ بِنُصُوصِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ، وَاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ. وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ، وَالْحَجُّ. بَلْ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ، صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ».

(السَّبَبُ السَّادِسُ): شَفَاعَةُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَغَيْرُهُ فِي أَهْلِ الذُّنُوبِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَدْ تَوَاتَرَتْ عَنْهُ أَحَادِيثُ الشَّفَاعَةِ، مِثْلَ: قَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي».

(السَّبَبُ السَّابِعُ): الْمَصَائِبُ الَّتِي يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا الْخَطَايَا فِي الدُّنْيَا. كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ، وَلَا نَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ، وَلَا حَزَنٍ، وَلَا غَمٍّ، وَلَا أَذًى، حَتَّى الشَّوْكَةُ يَشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ». 

(السَّبَبُ الثَّامِنُ): مَا يَحْصُلُ فِي الْقَبْرِ مِنْ الْفِتْنَةِ، وَالضَّغْطَةِ، وَالرَّوْعَةِ؛ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يُكَفَّرُ بِهِ الْخَطَايَا.

(السَّبَبُ التَّاسِعُ): أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكَرْبُهَا، وَشَدَائِدُهَا. 


(السَّبَبُ الْعَاشِرُ): رَحْمَةُ اللَّهِ، وَعَفْوُهُ، وَمَغْفِرَتُهُ  بِلَا سَبَبٍ مِنْ الْعِبَادِ. فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ قَدْ يُدْفَعُ عَنْ أَهْلِ الذُّنُوبِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ الْعَشَرَةِ، كَانَ دَعْوَاهُمْ أَنَّ عُقُوبَاتِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ»اهـ باختصار.

قال وقلت ٤٢: هل لأهل الحل والعقد أن يعزلوا الإمام الظالم إذا أمنت الفتنة؟


قال: «هل لأهل الحل والعقد أن يعزلوا الإمام الظالم إذا أمنت الفتنة؟».

قلت: نص العلماء أن لهم ذلك بهذا الشرط.

قال: «أوليس العزل هو نقض للبيعة وقد أمرنا: «ألا ننازع الأمر أهله، إلا أن نرى كفرا بواحًا»، فأين نجد جواز ذلك لأهل الحل والعقد حتى مع هذا القيد؟».

قلت: الحديث فيه أن لا ننازع الأمر أهله، وهذا ليس فيه منازعة، فإن ولي الأمر إذا لم يصلح للولاية، وجاءه أهل الحل والعقد من العلماء والأمراء وأقنعوه بالتنازل؛ فاقتنع، وصالحوه على ذلك فهذا ليس فيه حرج، ولا تنس -بارك الله فيك- مدح الرسول -صلى الله عليه وسلم- للحسن بن علي -رضي الله عنه-، في إصلاحه بين طائفتين عظيميتن بتنازله عن الحكم لمعاوية -رضي الله عنه-، فهذا إذا حصل على هذه الصورة بغير فتنة ولا إراقة دماء، ليس من باب منازعة الأمر أهله، وليس من باب نقض البيعة -بارك الله فيك-.

كشكول ٢٢٢: إيراد الشبهة خطير



إيراد الشبهة خطير

أنكر أحمد بن حنبل على الحارث المحاسبي -رحمهما الله- تصنيفه في الرد على المعتزلة، فقال الحارث: «الرد على البدعة فرض». 

فقال أحمد: «نعم، ولكن حكيت شبهتهم أولاً ثم أجبت عنها، فيم تأمن أن يطالع الشبهة من يعلق ذلك بفهمه، ولا يلتفت إلى الجواب أو ينظر في الجواب ولا يفهم كنهه؟». 


كذا أورده في (المنقذ من الضلال، ص: 8).

كشكول ٢٢١: أعور وأعمش في طريق



أعور وأعمش في طريق.

هذه القصة سمعتها من أستاذ التفسير الموضوعي في السنة المنهجية، للماجستير، سعادة الأستاذ الدكتور، فضيلة الشيخ عبد الباسط بلبول -غفر الله له ورحمه-، 

وقد رأيتها في المنتظم، 

فأحببت أن أتحف أخواني بها؛ فإن فيها عبرة، وعظة! 

قال ابن الجوزي في المنتظم في التاريخ (2/337، الشاملة):

«أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا الحسن بن أحمد الفقيه، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن عثمان الصوفي، قال: حدَّثنا أبو أحمد الأنباري، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم الكتاني، قال: حدَّثنا الفضل بن دكين، قال: حدَّثنا الأعمش، 
قال: «خرجت أنا وإبراهيم النخعي ونحن نريد الجامع، فلما صرنا في خلال طرقات الكوفة قال لي: «يا سليمان»، قلت: «لبيك»، قال: «هل لك أن تأخذ في خلال طرقات الكوفة؛ كي لا تمر بسفهائها، فينظرون إلى أعور وأعمش؛ فيغتابونا ويأثمون؟». قلت: «يا أبا عمران، وما عليك في أن نؤجر ويأثمون؟». قال: «يا سبحان الله، بل نسلم ويسلمون، خير من أن نؤجر ويأثمون»اهـ. والقصة ذكرها الذهبي أيضاً في (سير أعلام النبلاء).

كشكول ٢٢٠: بعض التعليقات...



بعض التعليقات للإخوة تبحث عنها؛ لتقرأها، وتفيد، وتستفيد منها.

وبعض التعليقات أحذفها وأحظر أصحابها؛ لأنها تخالف الشرع!

وبعض التعليقات أمر عليها، وأحفظ ما فيها؛ لأعود إليها؛ للتعليق أو الإجابة.

وبعض التعليقات تشجعني.

وبعض التعليقات تدفعني دفعًا وتستوفزني... 

وعموماً شكري للجميع، وجزاهم الله خيراً.


تعليقاتكم ومشاركاتكم أثارت إعجابي بحرصكم -وفقكم الله-.

كشكول ٢١٩: لا تقديس أشخاص عند السلفي



يريدون أن يربطوا السلفية بأشخاص، ليسهل عليهم ردّها، 

وما دروا أن السلفية منهج قائم على اتباع ما كان عليه الرسول وأصحابه، والعلماء أدلاء عليه.

مات من مات من علماء السلفية.

وعاش من عاش من علماء السلفية، 

والسلفية هي هي؛ 

لأنها الصراط المستقيم، لا يزيغ عنه إلا هالك. 

مشايخ السلفية أدلاء على الطريق، 

السلفي يحبهم، ويقتدي بهم في دلالتهم على الطريق، 

فإن خالفوا لزم الطريق، واعتذر لهم، 

فكل ابن آدم خطاء.

قال مالك -رحمه الله-: «ما منا إلا راد أو مردود عليه، إلا صاحب هذا القبر (يعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)».


فلا تقديس أشخاص عند السلفي.

كشكول ٢١٨: اليوم استعملت خاصية جدولة المنشورات... ونزولاً عند رغبة بعض الإخوة مني أن أجعل فترة زمنية بين المنشور والمنشور


٢٦ محرم ١٤٣٦ هـ
١٩ نوفمبر ٢٠١٤

اليوم استعملت خاصية جدولة المنشورات بمشورة أبي مالك محمود الأثري -بارك الله فيه، ووفقه لكل خير-. 

ونزولاً عند رغبة بعض الإخوة مني أن أجعل فترة زمنية بين المنشور والمنشور؛ حتى لا تعرض في الجوال متراكبة بعضها على بعض. وحتى يكون هناك فرصة لاستيعاب المنشور قبل الذي بعده. 


والله يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه.

علمني ديني ٧٥: أن المداراة للناس، وللزوجة، مطلوبة مشروعة؛ فهي من الدين. وأن المداهنة محرمة لا تشرع، ولو كانت النية حسنة


علمني ديني: 

أن المداراة للناس، وللزوجة، مطلوبة مشروعة؛ فهي من الدين. وأن المداهنة محرمة لا تشرع، ولو كانت النية حسنة.

في شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 306): «المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي: خفض الجناح للناس، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة وسل السخيمة. وقد روى عن النبي -عليه السلام- أنه قال: «مدارة الناس صدقة».». 

وقال بعض العلماء: «وقد ظن من لم ينعم النظر أن المدارة هي المداهنة، وذلك غلط؛ 

لأن المداراة مندوب إليها، والمداهنة محرمة. 

والفرق بينهما بين؛ 

وذلك أن المداهنة اشتق اسمها من الدهان الذي يظهر على ظواهر الأشياء ويستر بواطنها، 

وفسرها العلماء فقالوا: «المداهنة هي: أن يلقى الفاسق المظهر فيؤالفه ويؤاكله، ويشاربه، و[يرضى] أفعاله المنكرة، ويريه الرضا بها، ولاينكرها عليه، ولو بقلبه وهو أضعف الإيمان، فهذه المداهنة التي برأ الله -عز وجل- منها نبيه -عليه السلام- بقوله: {ودوا لوتدهن فيدهنون}. 

والمدارة هي: الرفق بالجاهل الذي يستتر بالمعاصي ولا يجاهر بالكبائر، والمعاطفة في رد أهل الباطل إلى مراد الله بلين ولطف حتى يرجعوا عما هم عليه.

فإن قال قائل: «فأين أنت في قولك هذا من فعل النبي -عليه السلام- حين دخل عليه المنافق فقال عند دخوله: «بئس ابن العشيرة» ثم حدثه وأثنى عليه شرًا عند خروجه؟». 


قيل له: إن رسول الله كان مأمورًا بأن لا يحكم على أحد إلا بما ظهر منه للناس، لا بما يعلمه دون غيره، وكان المنافقون لا يظهرون له إلا التصديق والطاعة، فكان الواجب عليه أن لا يعاملهم إلا بمثل ما أظهروا له، إذ لو حكم بعلمه فى شيء من الأشياء؛ لكانت سنة كل حاكم أن يحكم بما أطلع عليه فيكون شاهدًا وحاكمًا، والأمة مجمعة أنه لا يجوز ذلك، وقد قال -عليه السلام- في المنافقين: «أولئك الذى نهانى الله عن قتلهم».»اهـ.

كشكول ٢١٧: من العبارات الموهمة: «يعاون بعضنا بعضاً فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه».



من العبارات الموهمة: «يعاون بعضنا بعضاً فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه».

قول: هذه العبارة بهذا الإطلاق فيها نظر من جهتين:

١- أن من مسائل الاختلاف ما ظهر فيها دليل يلزم المصير إليه، ولا يجوز أن يستمر الخلاف فيها، فهنا لا يصح أن نقول: «ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا عليه»، بل الواجب أن يقال: «يعلم بعضنا بعضاً الحق فيما اختلفنا فيه».


٢- أن من مسائل الاختلاف ما تتجاذبه الأدلة، فهنا لا تعنيف على المخالف، ولكن لا يقال: «يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا عليه»، إنما يقال: «ينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه» وذلك للوصول إلى معرفة الراجح من أوجه الخلاف، مهما أمكن. والله المستعان .

كشكول ٢١٦: ليس من شرط الذهبي -رحمه الله- في ميزان الاعتدال استيعاب الرواة المجهولين أو من لا يعرف...



ليس من شرط الذهبي -رحمه الله- في ميزان الاعتدال استيعاب الرواة المجهولين أو من لا يعرف، أو من قيل فيه شيخ، أو شيخ لا يعرف، أو لم تكن له رواية.

قال الذهبي -رحمه الله-: «قد احتوى كتابي هذا على ذكر الكذابين والوضاعين... ثم على المحدثين الصادقين أو الشيوخ المستورين الذين فيهم لين ولم يبلغوا رتبة الأثبات المتقنين [زاد في نسخة من الميزان ـ نبه عليها محقق الميزان ـ هنا العبارة التالية: «وما أوردت منهم إلا من وجدته في كتاب أسماء الضعفاء»] ثم على خلق كثير من المجهولين ممن ينص أبو حاتم الرازي على أنه مجهول أو يقول غيره: «لا يعرف»، أو «فيه جهالة»، أو «يجهل»، أو نحو ذلك من العبارات التي تدل على عدم شهرة الشيخ بالصدق». وقال: «ولم أتعرض لذكر من قيل فيه محله الصدق، ولا من قيل فيه: «لا بأس به»، ولا من قيل: «هو صالح الحديث»، أو «يكتب حديثه»، أو «هو شيخ»؛ فإن هذا وشبهه يدل على عدم الضعف المطلق». وقال في ترجمة إسحاق بن سعد بن عبادة: «له رواية ولا يكاد يعرف، ولكني لم أذكر في كتابي هذا كل من لا يعرف، بل ذكرت منهم خلقاً وأستوعب من قال فيه أبو حاتم مجهول». وقال في (الميزان الجزء الأول، ص: 357): «وكتابنا ليس موضوعاً لهذا الضرب إذ لم يرو شيئاً، وإنما أطرزه بهذه الطرف».

أقول: إذا عرف هذا، فإن استدراك هذا الضرب من الرواة على الميزان ولسانه والتذييل بذلك ليس بلازم لهما، والله أعلم. نعم تراجم هذا الضرب تستفاد، لكن ليس على وجه الاستدراك والتذييل على لسان الميزان، والله أعلم. خاصة وقد قال ابن حجر -رحمه الله- في آخر لسان الميزان (7/535) بعد أن ذكر تجريد من ذكر في الميزان وله ترجمة في التهذيب متحدثاً عن فائدة هذا التجريد: «الثاني: الإعانة لمن أراد الكشف عن الراوي، فإن رآه في أصلنا فذاك، وإن رآه في هذا الفصل، فإن رآه في هذا الفصل فهو إمّا ثقة، وإمّا مختلف فيه، وإمّا ضعيف. فإن أراد الزيادة في حاله نظر في الكاشف، فإن أراد زيادة بسط نظر في مختصر التهذيب الذي جمعته؛ ففيه كل ما في تهذيب الكمال للمزي من شرح حال الرواة وزيادة عليه، فإن لم يحصل له نسخة منه فتذهيب التهذيب للذهبي؛ فإنه حسن في بابه، فإن لم يجد لا هنا ولا هنا فهو إمّا ثقة، أو مستور، وعلى الله الكريم الاعتماد» اهـ. فإذا كان التذييل بترجمة الراوي الوضاع، أو المتهم، أو الضعيف؛ فهذا تذييل واستدراك وإلزام في محله.

كشكول ٢١٥: لا يكون المتغلب متغلباً بخروجه على جماعة المسلمين وتقتيله فيهم، ولم يرضه أهل الحل والعقد بل وقفوا ضده



لا يكون المتغلب متغلباً بخروجه على جماعة المسلمين وتقتيله فيهم، ولم يرضه أهل الحل والعقد بل وقفوا ضده، فإن تغلب عليهم، واستتب له الأمر، واستقر له الحال، عندها يكون متغلبًا له السمع والطاعة بالرضا والكره.


وقبل أن يكون بصفة المتغلب الواجب نصرة المتولي القائم من المسلمين عليه، خاصة إن كان هذا الذي يريد التغلب من أهل الأهواء والبدع، ممن يهين أهل الإسلام ويحفظ أهل الكفر والأوثان.

كشكول ٢١٤: إرتضاء أولي الحل والعقد حتى يستتب الأمر لمن ولي الخلافة



قال أبو واقد الليبي -جزاه الله خيرًا-:
«فائدة:
قول الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: «السمع وَالطَّاعَة للأئمة، وأمير الْمُؤمنِينَ الْبر والفاجر، وَمن ولي الْخلَافَة، وَاجْتمعَ النَّاس عَلَيْهِ، وَرَضوا بِهِ، وَمن عَلَيْهِم بِالسَّيْفِ حَتَّى صَار خَليفَة وَسمي أَمِير الْمُؤمنِينَ...».

يلحظ أن الإمام أحمد -رحمه الله- لم يقل: ومن ولي الخلافة، وسكت، بل قال: «وأجتمع الناس عليه ورضوا به»؛

فهذا دليل على أن إرتضاء أولي الحل والعقد حتى يستتب الأمر لمن ولي الخلافة.
وبمفهوم المخالفة لو لم يجتمع الناس عليه ويرتضيه (أهل الحل والعقد) لم يستتب الأمر له.

ثم قال -رحمه الله- «ومن عليهم بالسيف» لم يكتف بذلك حتى يكون له استتباب الأمر، بل قال -رحمه الله-: «حتى صار خليفة، وسمى أمير المؤمنين».

إذا العلو بالسيف دون أن يصبح خليفة لم يجعل الأمر مستتبًا له، حيث أنهم -أي: أهل الحل والعقد- لو لا لم يرتضوه ما كانوا يسمونه ولي أمر، وتسميتهم إياه أمير المسلمين دليل على مبايعتهم له، وارتضائهم له، يجعل الأمر مستتبًا له.
وبمفهوم كلامه -رحمه الله- لو أنه عليهم بالسيف، ولم يسميه أهل الحل والعقد أمير المؤمنين، ولم يرتضوه ويجتمعوا عليه، لم يكن الأمر مستتب إليه.


قلت (محمد بازمول): وهذا وجيه. ومحله قبل أن يستتب لهم الأمر. والله الموفق.