السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الخميس، 17 سبتمبر 2015

سؤال وجواب ٢٩١: ما هي المذاهب الفقهية؟ ولماذا أربعة مذاهب فقط؟ وما موقفي منها؟


سؤال:
«ما هي المذاهب الفقهية؟
ولماذا أربعة مذاهب فقط؟
وما موقفي منها؟».

الجواب:
المذاهب الفقهية هي طرق التفقه، اشتهر في كل طريق علماء.
وكانت طرائق التفقه طريقين:
- طريقة علماء الحجاز.
- طريقة علماء العراق.
أهم معالم طريقة علماء الحجاز: قلة اتباع الرأي؛ بسبب كثرة الأحاديث والآثار عندهم.
وأهم معالم طريقة أهل العراق: كثرة الرأي؛ بسبب قلة الأحاديث والآثار عندهم.
اشتهر من أهل الحجاز: الإمام مالك.
اشتهر من علماء العراق: الإمام أبو حنيفة.
وجاء الشافعي تلميذ مالك واستفاد من كتب أهل الرأي، وكان لديه علم أهل الحجاز؛ فوفق بين الطريقتين.
وجاء أحمد تلميذ الشافعي ومشى على خطى الشافعي، إلا أن اطلاعه على الحديث والآثار أكثر ممن سبقه.
وهناك علماء آخرون في كل طريقة، لكن مذاهبهم اندثرت. مثل:
- مذهب الأوزاعي في الشام.
- ومذهب الثوري بالعراق.
- ومذهب الطبري.
- ومذهب ابن راهوية.
وغيرهم.
وهذه المذاهب طرائق في العمل بما جاء في الدين.
المسلم لا يلزمه اتباع أحدها؛ 
فإنه إن كان عاميًا: لزمه أن يسأل من يثق في دينه وعلمه من أهل الذكر، دون تقصد مذهبًا بعينه.
وإن كان مجتهدًا: لزمه الاجتهاد.
وإن كان متبعًا: لزمه اتباع ما ظهر لديه دليله.
وعلماء السعودية يدرسون مذهب أحمد بن حنبل، ويجتهدون في معرفة الدليل، ويتفاوتون في ذلك. 
أشهر من عرف عنه الاجتهاد: 
- ابن ابراهيم.
- وابن حميد.
- وابن باز.
- وابن عثيمين.
- وآخرهم الفوزان.
ولا يوجد اليوم فيما أعلم من يساوي علماءنا في سلامة المنهج وحسن الطريقة، ولا أزكي على الله أحدًا.
ومن العلماء في العالم الإسلامي:
- أحمد شاكر في مصر.
- محمد حامد الفقي في مصر.
- الألباني في سوريا والأردن.

وهم على طريقة مشايخنا -رحمهم الله-.

كشكول ١٠٧٧: لا تغتر بنفسك وتجالس صاحب بدعة!



لا تغتر بنفسك وتجالس صاحب بدعة
عن سفيان الثوري قال: "من جالس صاحب بدعة لم يسلم من إحدى ثلاثٍ :
إمَّا أن يكون فتنةً لغيره.
وإمَّا أن يقع في قلبه شيء، فيزلَّ به، فيدخله الله النار.
وإمَّا أن يقول: والله ما أبالي ما تكلَّموه، وإنِّي واثق بنفسي، فمن أمن اللهَ على دينه طَرفة عين؛ سلبه إيَّاه"

(أخرجه ابن وضاح في "كتاب فيه ما جاء في البدع" - تحقيق بدر البدر-: (ص104).

سؤال وجواب ٢٩٠: هل إن وجدت الفتنة بأن يتزوج الرجل من امراتين، وبأن يؤدي ذلك إلى مشاكل لا حد لها، أن لا يفعل؟


سؤال :
هل إن وجدت الفتنة بأن يتزوج الرجل من امراتين، وبأن يؤدي ذلك إلى مشاكل لا حد لها، أن لا يفعل؟
الجواب :
الحديث الذي أوردته عن عدم رضى الرسول صلى الله عليه وسلم بخطبة علي لبنت أبي جهل، لا تعلق له بموضوع التعدد،
أما ترى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "لا أحل الحرام و لا أحرم الحلال"،
إنما قضيته استشعاره صلى الله عليه وسلم ريبة في هذا الأمر، كما ارتابت ابنته فاطمة رضي الله عنها، فإنه يريبه ما رابها، ولتعلم محل الريبة انظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم : "لا تجتمع بنت عدو الله وبنت رسول الله تحت سقف بيت واحد".
والتعدد يدور مع ألأحكام الشرعية الخمسة؛
فتارة يكون واجباً إذا كان المسلم يخشى الوقوع في الحرام ولديه القدرة على تكاليف الزواج ، فإنه يجب عليه.
وتارة يكون مستحباً إذا كان لا يخشى على نفسه الحرام، ولكن يريد نكاح ما طاب له، وليعف امرأة مسلمة، وينفق عليها.
وتارة يكون حراماً إذا كان لا يقدر عليه لا بدنيا و لا ماليا أو يترتب عليه إحداث فساد كبير لا مجرد مشكلة مع الزوجة فهذا وارد في كل حال وبتعدد وبدون تعدد،
وتارة يكون مكروها إذا كان فعل التعدد يوقعه في ترك مستحبات أو في الوقوع في مكروهات.
والله الموفق.

قال وقلت ١٠٨: باب الغيبيات الواردة في الآيات والأحاديث لا يستطيع العقل الخوض فيها


قال : قولك: حديث : "أذن الله لجهنم بنفسين"؛ نؤمن به ونصدق به وان لم تحط به عقولنا وعلومنا وهو دليل ان الشمس غير جهنم . خلافا للباحث" اهـ، متعقب، "لم تحط به عقولنا ولا علومنا !!!" أمال لماذا يأمرنا الله مراراً وتكراراً أن نتفكر وننظر في ملكوت السماوات والأرض ؟؟؟؟؟؟؟؟ أمال يعني إيه ﴿وعلم آدم الأسماء كلها﴾؟
قلت: اعلم أن هذه قاعدة أهل السنة والجماعة في التعامل مع نصوص الوحي، فإن لعقولنا طوراً لا تعدوه ، كما أن لأبصارنا حداً لا تتجاوزه، فأنت لديك نعمة البصر، اصعد على أعلى شيء عندك وانظر في كل الجهات، ستجد أن قوة إبصارك تقف عند حد معين لا تستطيع إبصار ما وراءه، فكذا العقل، له مجاله وله طوره، وباب الغيبيات الواردة في الآيات والأحاديث، لا يستطيع العقل الخوض فيها، وعليه فإن القاعدة في ذلك : أن لا نعارض أو نرد الحديث إذا لم تبلغ إليه عقولنا، و لا نرده بسؤال مشكك فنقول في رد الآية أو الحديث: (لم) أو (كيف)!
وأمرنا في التفكر فيما تستطيعه عقولنا وأفكارنا، من ذلك :
ما جاء في قوله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ (آل عمران:191).
وفي قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (يونس:24).
وفي قوله تبارك وتعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الرعد:3).
وفي قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (النحل:11).
وقوله: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (النحل:69).
وقوله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم:21).
وقوله: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الزمر:42).
وكذا نعمل الفكر ونظر والتدبر في حال الذين من قبلنا من الأمم وما أصابهم من العذاب لما كفروا وكذبوا الرسل، وما كانوا عليه من القوة والنعيم، وكيف تركوا ذلك وما أغنى عنهم، ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾ (الدخان:25 -29) .

وأما قوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (البقرة:31)، فعلمه أسماء الأشياء كلها، وهذا محل عبرة إذ يدل أن الأصل تباين الأشياء بتباين الأسماء، فجهنم غير الشمس !

قال وقلت ١٠٧: لا دليل من كتاب أو سنة يثبت وجود جهنم أخرى غير جهنم المذكورة عندنا


قال : قولك : "إن علماء الفلك يثبتون مجرات غير مجرة درب التبانة ولكل مجرة شمسا وبعضها أعظم فلا خصوصية لشمسنا في خلق الله بجهنم دون غيرها"اهـ متعقب: بأن المفترض أن تقرأ البحث أولاً قبل أن تنتقد حتى لا تعرقل تقدم الإسلام ففي البحث أوردنا أن تلك جهنمات أخرى لمخاليق أخرى في مجاميع شمسية أخرى ﴿وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون﴾، فماذا تعني كلمة نذر سوى جمع نذير التي هي جهنم؟ أما مسألة لا خصوصية فلا تنفي بمزاجك وتخالف رسول الله الذي أكد أن الحر والصيف والشتاء وضربة الشمس يأتوننا من جهنم .
قلت: لا دليل من كتاب أو سنة يثبت وجود جهنم أخرى غير جهنم المذكورة عندنا، وإثباتك لجهنمات أخرى – على حد تعبيرك – يحتاج إلى دليل، وهو خلاف ظاهر النصوص، و لا أعلم لك فيه سلفاً.
وتفسيرك للنذر في قوله تعالى: ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ (يونس: 101)، بأن المراد بها جمع نذير التي هي جهنم؛ غير صحيح.
ففي تفسير البغوي (4/153 – 154، طيبة): "{قُلِ انْظُرُوا} أَيْ: قُلْ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَسْأَلُونَكَ الْآيَاتِ انْظُرُوا، {مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} مِنَ الْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ والعبر، ففي السموات الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَغَيْرُهَا، وَفِي الْأَرْضِ الْجِبَالُ وَالْبِحَارُ وَالْأَنْهَارُ وَالْأَشْجَارُ وَغَيْرُهَا، {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ} الرُّسُلُ، {عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} وَهَذَا فِي قَوْمٍ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ"اهـ.
فالنذر : الرسل الذين أرسلهم الله جل وعلا منذرين ، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ (فاطر:24)، وقال تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا﴾ (الفرقان: 51)، وقال تعالى: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى﴾ (القمر : 55-56).
وأنا وكل مؤمن سلفي نثبت ما أثبته الرسول صلى الله عليه وسلم من أن الله أذن للنار بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف، كما جاء في الحديث، وليس من لازم ذلك ولا من دلالته أن الشمس هي جهنم!
أخرج البخاري تحت رقم (537) ومسلم تحت رقم (615 ، 617):عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَاشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ".

قال وقلت ١٠٦: تأكيد أن جهنم غير الشمس


قال: قولك: "إن النصوص أشارت إلى أن الشمس تدنو من العباد يوم القيامة قدر ميل ، قال الراوي: لا ادري أراد ميل المرود أو غيره. مع ذكر أن جهنم يراها أهل العذاب"؛ متعقب، فإن الآية قالت: ﴿وجئ يومئذٍ بجهنم﴾!
قلت : هذه الآية التي ذكرتها أنت تدل على أن جهنم غير الشمس! فهو خلاف قولك!

أخرج مسلم في صحيحه تحت رقم (2864) قال: سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ ، حَدَّثَنِي الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ.
قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ : فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ ؟ أَمَسَافَةَ الأَرْضِ ، أَمِ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ.
قَالَ : فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا.
قَالَ : وَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ.
فهذا الحديث فيه أن الشمس تدنو من الخلق على قدر ميل، وفي الآية التي ذكرت : ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾ (الفجر:23). فهذه جهنم غير الشمس.
يؤكد هذا ما ورد في حديث الشفاعة ، فإن الناس لما يبلغ بهم الحال هذا المبلغ بسبب الحال في الموقف ودنو الشمس منهم والعرق الذي يكونون فيه، يأتون آدم ليشفع لهم ، وثم نوح، ثم إبراهيم ثم موسى، ثم عيسى، ثم يأتون محمداً صلى الله عليه وسلم فيشفع لهم، وفيه أن الله يخرج من النار من لم يعمل خيراً قط. (نظر مسند أحمد 1/ 193، تحت رقم 15 ، الرسالة)
وهذا يثبت أن جهنم غير الشمس، التي تكون في الموقف!
قال تعالى في سورة الفرقان: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)﴾.
وهذا يفيد أن جهنم غير الشمس، التي تدنو من رؤوس الخلق قدر ميل، فإنه إذا جيء بجهنم ورأت الكفار سمعوا لها تغيظا وزفيراً .
وهذا واضح بين والحمد لله.

كشكول ١٠٧٦: دفع استشكال


دفع استشكال
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدُّؤَلِيِّ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ، حَدَّثَهُ: أَنَّهُمْ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ مِنْ عِنْدِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَقْتَلَ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، لَقِيَهُ المِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ إِلَيَّ مِنْ حَاجَةٍ تَأْمُرُنِي بِهَا؟ فَقُلْتُ لَهُ: لاَ، فَقَالَ لَهُ: فَهَلْ أَنْتَ مُعْطِيَّ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَغْلِبَكَ القَوْمُ عَلَيْهِ، وَايْمُ اللَّهِ لَئِنْ أَعْطَيْتَنِيهِ، لاَ يُخْلَصُ إِلَيْهِمْ أَبَدًا حَتَّى تُبْلَغَ نَفْسِي؛
إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ عَلَى فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ عَلَى مِنْبَرِهِ هَذَا وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مُحْتَلِمٌ، فَقَالَ: إِنَّ فَاطِمَةَ مِنِّي، وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا.
ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي، فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي، وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلاَلًا، وَلاَ أُحِلُّ حَرَامًا، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لاَ تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ أَبَدًا"( أخرجه البخاري في كتاب فرض الخمس، بَابُ مَا ذُكِرَ مِنْ دِرْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَصَاهُ، وَسَيْفِهِ وَقَدَحِهِ، وَخَاتَمِهِ، وَمَا اسْتَعْمَلَ الخُلَفَاءُ بَعْدَهُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ قِسْمَتُهُ، وَمِنْ شَعَرِهِ، وَنَعْلِهِ، وَآنِيَتِهِ مِمَّا يَتَبَرَّكُ أَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، تحت رقم (3110)، ومسلم في فضائل الصحابة باب فضائل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رقم (2449).).
يريد المسور بن مخرمة من إيراد قصة خطبة علي بن أبي طالب رضي الله عنه لبنت أبي جهل، أنه كَمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ رَفَاهِيَةَ خَاطِرِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ فَأَنَا أَيْضًا أُحِبُّ رَفَاهِيَةَ خَاطِرِكَ لِكَوْنِكَ بن ابْنِهَا فَأَعْطِنِي السَّيْفَ حَتَّى أَحْفَظَهُ لَكَ قال ابن حجر في فتح الباري (6/ 214): "وَهَذَا هو الْمُعْتَمَدُ"اهـ.
واستشكل بعض الناس هذا الحديث؛ كيف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الكلام وهو نفسه متزوج أكثر من امرأة، وأبيح نكاح ما طاب لنا من النساء، فكيف ما رضي لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يتزوج على فاطمة رضي الله عنها؟
ولدفع هذا الإشكال ؛ أقول: لم يتكلم الرسول صلى الله عليه وسلم، بهذا الكلام من باب بيان حكم التعدّد، إنما تكلم في مقام أنه ربّ الأسرة وكبير العائلة؛ فإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولد عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وفاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم كبير قريش، وذكر أن هذا النكاح يترتب عليه فساد كبير، فإن فاطمة بضعة منه يريبه ما رابها، فكأن في القضية ما يوقع الريبة، وليست القضية قضية أنه ما رضي التعدّد على ابنته، القضية أن هناك مشكلة أشار إليها بقوله: "وَإِنَّهَا وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَبَدًا".
ولذلك قال الشيخ أحمد شاكر لمّا تكلم على هذا الحديث في كتابه (كلمة حق) مامعناه: أن هذا من الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يصدر من مقام الرسالة ولا بقصد التشريع في قضية التعدّد ، إنما صدر من الرسول صلى الله عليه وسلم في مقام أنه كبير العائلة وكبير قومه وأنه يعلم من أمورهم وأحوالهم أشياء فيها ريبة تقتضي أن وقوع زواج علي بن أبي طالب رضي الله عنه من بنت أبي جهل فيه نوع من الريبة، فإنه يقال: «بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ» و سينتج منه نوع من العداوة فمنعه؛
لا منعا للتعدّد وإنما منعا لمَ يُسبّب الريبة والعداوة بين الأسرة الواحدة.
فهذا الحديث زال الإشكال عنه بتطبيق قاعدة تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم، , أنها تارة تكون من باب البلاغ والرسالة، وتارة تكون من باب أنه صلى الله عليه وسلم إمام أو قائد أو مفتي؛
فالعلم بمخرج كلام الرسول ﷺ هل خرج منه مخرج التشريع العام أو هل خرج منه مخرج التشريع الخاص (مخرج السياسة العامة لكبير الأسرة والقوم فيما يحصل بينهم مما يؤدي إلى وقوع الريبة أو العداوة).

هذه القاعدة قعّدها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي المالكي، في كتابه (الفروق)، وأفردها في كتابه: "الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام و تصرفات القاضي و الإمام"، و المقصود أن تُنزّل الأحاديث في محلّها للعمل بها. وبالله التوفيق

كشكول ١٠٧٥: قصة صَبيغ بن عسل


قصة صَبيغ بن عسل
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ: صَبِيغُ بْنُ عَسَلٍ، قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ كُتُبٌ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَبَعَثَ إِلَيْهِ وَقَدْ أَعَدَّ لَهُ عَرَاجِينَ النَّخْلِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ جَلَسَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ صَبِيغٌ فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ، ثُمَّ أَهْوَى إِلَيْهِ فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ بِتِلْكَ الْعَرَاجِينِ، فَمَا زَالَ يَضْرِبُهُ حَتَّى شَجَّهُ، فَجَعَلَ الدَّمُ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَدْ وَاللَّهِ ذَهَبَ الَّذِي كُنْتُ أَجِدُ فِي رَأْسِي"( أخرجه الدارمي (1/ 252، تحت رقم 146)، والآجري في الشريعة (1/ 483، تحت رقم 153)، ( 5/ 2556، تحت رقم 2065)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/ 702، تحت رقم 1137 – 1138). قال حسين أسد في تحقيقه لسنن الدارمي: "رجاله ثقات غير أنه منقطع سليمان بن يسار لم يدرك عمر بن الخطاب"اهـ، قلت: القصة مشهورة، ويشهد لروايته ماجاء عن نافع مولى ابن عمر في قصة صبيغ، وهي التالية، فلا تنزل عن الحسن لغيره إسناداً. ).
عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ: "أَنَّ صَبِيغًا الْعِرَاقِيَّ جَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قَدِمَ مِصْرَ، فَبَعَثَ بِهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمَّا أَتَاهُ الرَّسُولُ بِالْكِتَابِ فَقَرَأَهُ فَقَالَ: أَيْنَ الرَّجُلُ؟ فَقَالَ: فِي الرَّحْلِ، قَالَ عُمَرُ: أَبْصِرْ أَنْ يكونَ ذَهَبَ فَتُصِيبَكَ مِنِّي بِهِ الْعُقُوبَةُ الْمُوجِعَةُ، فَأَتَاهُ بِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: تَسْأَلُ مُحْدَثَةً، فأرْسلَ عُمَرُ إِلَى رَطَائِبَ مِنْ جَرِيدٍ، فَضَرَبَهُ بِهَا حَتَّى تَرَكَ ظَهْرَهُ دَبِرَةً، ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَرَأَ، ثُمَّ عَادَ لَهُ، ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَرَأَ، فَدَعَا بِهِ لِيَعُودَ لَهُ، قَالَ: فقالَ صَبِيغٌ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ قَتْلِي، فَاقْتُلْنِي قَتْلًا جَمِيلًا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُدَاوِيَنِي، فَقَدْ وَاللَّهِ بَرَأْتُ، فَأَذِنَ لَهُ إِلَى أَرْضِهِ، وَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ لَا يُجَالِسَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ، فَكَتَبَ أَبُو مُوسَى إِلَى عُمَرَ: أَنْ قَدْ حَسُنَتْ تَوْبَتُهُ، فَكَتَبَ عُمَرُ: أنِ ائْذَنْ لِلنَّاسِ بِمُجَالَسَتِهِ".
وفي رواية ابن وضاح: "فَقَالَ عُمَرُ: تَسُلُّ حَدَثَة ً؟"، "فَكَتَبَ أَبُو مُوسَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنْ قَدْ حَسُنَتْ هَيْئَتُهُ , فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنْ يَأْذَنَ لِلنَّاسِ يُجَالِسُونَهُ" (أخرجه الدارمي في السنن (1/ 254، تحت رقم150)، وابن وضاح البدع لابن وضاح (2/ 111، تحت رقم 148)، قال محقق سنن الدارمي : "إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن صالح"اهـ. قلت : القصة مشهورة، وقد توبع عبدالله بن صالح في روايته عن الليث، تابعه ابن وهب، عند ابن وضاح.).
وهذه القصة فيها فوائد؛ منها:
الأولى : جاء في رواية بيان الأسئلة التي كان يسأل عنها صبيغ ففي كتابه الشريعة (1/ 481 -482)، قال الآجري رحمه الله: "حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّا لَقِينَا رَجُلًا يَسْأَلُ عَنْ تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَمْكِنِّي مِنْهُ قَالَ: فَبَيْنَا عُمَرُ ذَاتَ يَوْمٍ يُغَدِّي النَّاسَ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَعِمَامَةٌ يَتَغَدَّى حَتَّى إِذَا فَرَغَ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا، فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا﴾ (الذاريات: 2) فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ هُوَ؟ فَقَامَ إِلَيْهِ فَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ يَجْلِدُهُ حَتَّى سَقَطَتْ عِمَامَتُهُ، فَقَالَ: " وَالَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ، لَوْ وَجَدْتُكَ مَحْلُوقًا لَضَرَبْتُ رَأْسَكَ، أَلْبِسُوهُ ثِيَابَهُ، وَاحْمِلُوهُ عَلَى قَتَبٍ، ثُمَّ أَخْرِجُوهُ حَتَّى تَقْدِمُوا بِهِ بِلَادَهُ، ثُمَّ لِيَقُمْ خَطِيبًا، ثُمَّ لِيَقُلْ: إِنَّ صَبِيغًا طَلَبَ الْعِلْمَ فَأَخْطَأَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَضِيعًا فِي قَوْمِهِ حَتَّى هَلَكَ وَكَانَ سَيِّدَ قَوْمِهِ".
قال الآجري رحمه الله (الشريعة 1/ 484): "فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَنْ يَسْأَلُ عَنْ تَفْسِيرِ: ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا﴾ (الذاريات: 2)، اسْتَحَقَّ الضَّرْبَ، وَالتَّنْكِيلَ بِهِ وَالْهِجْرَةَ.
قِيلَ لَهُ: لَمْ يَكُنْ ضَرْبُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَهُ بِسَبَبٍ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَكِنْ لَمَّا تَأَدَّى إِلَى عُمَرَ مَا كَانَ يَسْأَلُ عَنْهُ مِنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَرَاهُ عَلِمَ أَنَّهُ مَفْتُونٌ، قَدْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِمَا لَا يَعُودُ عَلَيْهِ نَفْعُهُ، وَعَلِمَ أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِطَلَبِ عِلْمِ الْوَاجِبَاتِ مِنْ عِلْمِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ أَوْلَى بِهِ , وَتَطَلُّبُ عِلْمِ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ مُقْبِلٌ عَلَى مَا لَا يَنْفَعُهُ، سَأَلَ عُمَرُ اللَّهَ تَعَالَى أّنْ يُمَكِّنَهُ مِنْهُ، حَتَّى يُنَكِّلَ بِهِ، وحَتَّى: يُحَذِّرُ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ رَاعٍ يَجِبُ عَلَيْهِ تَفَقُّدُ رَعِيَّتِهِ فِي هَذَا وَفِي غَيْرِهِ، فَأَمْكَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَيَكُونُ أَقْوَامٌ يُجَادِلُونَكُمْ بِمُتَشابَهِ الْقُرْآنِ فَخُذُوهُمْ بِالسُّنَنِ، فَإِنَّ أَصْحَابَ السُّنَنِ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى"اهـ.
الثانية : مشروعية عقوبة الإمام لمن هذا حاله، وقد بوّب على القصة الآجري رحمه الله : "بَابُ تَحْذِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ بِمُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ وَعُقُوبَةِ الْإِمَامِ لِمَنْ يُجَادِلُ فِيهِ"اهـ وقال (الشريعة 5/ 2554- 2555): "بَابُ عُقُوبَةِ الْإِمَامِ وَالْأَمِيرِ لِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَنْبَغِي لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَلِأُمَرَائِهِ فِي كُلِّ بَلَدٍ إِذَا صَحَّ عِنْدَهُ مَذْهَبُ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ - مِمَّنْ قَدْ أَظْهَرَهُ - أَنْ يُعَاقِبَهُ الْعُقُوبَةَ الشَّدِيدَةَ ؛
فَمَنِ اسْتَحَقَّ مِنْهُمْ أَنْ يَقْتُلَهُ قَتَلَهُ.
وَمَنِ اسْتَحَقَّ أَنْ يَضْرِبَهُ وَيَحْبِسَهُ وُيُنَكِّلَ بِهِ فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ.
وَمَنِ اسْتَحَقَّ أَنْ يَنْفِيَهُ نَفَاهُ, وَحَذَّرَ مِنْهُ النَّاسَ. 
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا الْحُجَّةُ فِيمَا قُلْتَ؟ . 
قِيلَ: مَا لَا تَدْفَعُهُ الْعُلَمَاءُ مِمَّنْ نَفَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْعِلْمِ , وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَلْدَ صَبِيغًا التَّمِيمِيَّ , وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ: أَنْ يُقِيمُوهُ حَتَّى يُنَادِي عَلَى نَفْسِهِ , وَحَرَمَهُ عَطَاءَهُ , وَأَمَرَ بِهِجْرَتِهِ , فَلَمْ يَزَلْ وَضِيعًا فِي النَّاسِ. 
وَهَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , قَتَلَ بِالْكُوفَةِ فِي صَحْرَاءَ أَحَدَ عَشَرَ جَمَاعَةً ادَّعَوْا أَنَّهُ إِلَهُهُمْ , خَدَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ أُخْدُودًا وَحَرَّقَهُمْ بِالنَّارِ , وَقَالَ:
لَمَّا سَمِعْتُ الْقَوْلَ قَوْلًا مُنْكَرَا ... أَجَّجْتُ نَارِي وَدَعَوْتُ قَنْبَرَا
وَهَذَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى عَدِيِّ بْنِ أَرْطَأَةَ فِي شَأْنِ الْقَدَرِيَّةِ: تَسْتَتِيبُهُمْ فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا فَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ.
وَقَدْ ضَرَبَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عُنُقَ غَيْلَانَ وَصَلَبَهُ بَعْدَ أَنْ قَطَعَ يَدَهُ.
وَلَمْ يَزَلِ الْأُمَرَاءُ بَعْدَهُمْ فِي كُلِّ زَمَانٍ يَسِيرُونَ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إِذَا صَحَّ عِنْدَهُمْ ذَلِكَ عَاقَبُوهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَوْنَ , لَا يُنْكِرُهُ الْعُلَمَاءُ"اهـ.
الثالثة : مشروعية الهجر لأهل البدع ؛ ومحله إذا حقق مصلحة للهاجر أو المهجور أو للعامة، فإذا حقق مصلحة في بعض ذلك أو كله شرع، وقد قسم الهجر إلى أنواع :
النوع الأول : الهجر الإيجابي، وهو الذي يحقق أثره في المهجور، وغالبا يكون من الأب لابنه أو الزوج لزوجه، أو الرئيس لمن تحته.
النوع الثاني : الهجر الوقائي، الذي يعلم فيه الهاجر أنه لا تأثير لهجره على المهجور، بل يخشى إذا استمر معه على ما هو عليه أن يتأثر به، أو أن يغرر بالعامة فيظنون صاحب البدعة على حق، فهنا يهجره وقاية لنفسه أو لغيره .
النوع الثالث: الهجر السلبي، الذي لا يؤثّر في المهجور، ولا خوف مِن أن يتأثّر به، أو يغرر بالناس بسببه، ففي هذه الحال الهجر ما له معنى لأنه لا يُحقّق المقصود، فخُلطته مع أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ومفارقته عند تلبّسه بالمنكر هذا هو المشروع، وعليه يُنزّل حديث الرسول ﷺ: "الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ"( أخرجه أحمد في المسند (2/ 43، الميمنية)، (9/64، حديث رقم 5022، الرسالة)، والترمذي في كتاب صفة الجنة والرقائق والورع، باب منه، حديث رقم (2507)، وابن ماجه في كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، حديث رقم (4032). والحديث صححه محققو المسند، والألباني في صحيح سنن ابن ماجه باختصار السند، وفي السلسلة الصحيحة (939). وجزم عند ابن ماجة بأن راويه ابن عمر، وقال أحمد ابن حنبل "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَحَجَّاجٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشَ وَقَالَ حَجَّاجٌ: عَنِ الْأَعْمَشِ يُحَدِّثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَأُرَاهُ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: حَجَّاجٌ قَالَ شُعْبَةُ: قَالَ سُلَيْمَانُ: وَهُوَ ابْنُ عُمَرَ يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ " قَالَ: حَجَّاجٌ: " خَيْرٌ مِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ".).
تنبيه: لا ينبغي بالمسلم أن يهوّن من خطر البدعة وأهلها، فلا يغتر بنفسه ويصاحبه يظن في نفسه القدرة على عدم التأثر، بل عليه أن يبتعد عنهم، ويهجره أصحاب البدع ويخشى على دينه؛
"دَخَلَ رَجُلَانِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، فَقَالَا: يَا أَبَا بَكْرٍ نُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ، قَالَ: لَا، قَالَا: فَنَقْرَأُ عَلَيْكَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: لَا، لَتَقُومَانِ عَنِّي، أَوْ لَأَقُومَنَّ، فَقَامَ الرَّجُلَانِ, فَخَرَجَا"( القدر للفريابي محققا (ص: 215).).
قَالَ سَلَّامٌ : "وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ لِأَيُّوبَ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَسْأَلُكَ عَنْ كَلِمَةٍ قَالَ: فَوَلَّى أَيُّوبُ وَهُوَ يَقُولُ: وَلَا نِصْفَ كَلِمَةٍ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ يُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ"( ذم الكلام وأهله 5/ 183).
عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: "كَانَ أَبُو قِلَابَةَ يَقُولُ: لَا تُجَالِسُوا أَصْحَابَ الْأَهْوَاءِ، ولا تجادلهوهم، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ فِي الضَّلَالَةِ, أَوْ يَلْبِسُوا عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ بَعْضَ مَا لَبَسَ عَلَيْهِمْ"( القدر للفريابي محققا (ص: 212).).
والإمام مالك لمّا جاء الرجل ذاك يسأله عن الاستواء ماذا صنع معه؟ طرده، وقال: الاستواء معلوم والكيف مجهول وما أراك إلا صاحب بدعة أخرج من المجلس، لأنه فتح الباب لمثل هذا النوع من الأسئلة التي قد يكون فيها شر، فزجر الإمام مالك الناس عن هذا الأمر بطرده لهذا الرجل، ومالك لا يتأثّر به لكن يخشى على الناس ويخشى أنه إذا ما سكت عليه في سؤاله هذا الذي سأل أن ينتج من ذلك أن يتجرأ الناس على مثل هذه الأسئلة فينشغلوا بها عن تحقيق العلم الواجب عليهم الذي ينفعهم في دنياهم وأخراهم.
الرابعة : إذا وقعت الشبهة في النفس على المسلم أن يبحث بنفسه عن الجواب، وإن لم يصل إلى جواب، يأتي إلى الشيخ بلطف في حالة إنفراد ويكاشفه بما في نفسه حتى لا يكون سببا في التأثير على الآخرين، لأن الشبه خطّافة والقلوب ضعيفة، ولذلك استحق صبيغ العقوبة!
فلا يفسح في قلبه المجال للإيرادات والشبه بما لا ينفعه، فإن هذا يضره.
قال ابن القيم رحمه الله (مفتاح دار السعادة 1 / 140).: "قال لي شيخ الإسلام رضي الله عنه وقد جعلت أورد عليه إيرادا بعد إيراد : 
لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها فلا ينضح إلا بها . ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها ؛ فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته .
وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات أو كما قال.
فما اعلم إني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك"اهـ( ).
الخامسة : امتثال الناس لولاة أمرهم، لما يأمروهم بهجر أهل البدع، خشية فسادهم وإفسادهم. فقد جاء في القصة: "وَكَتَبَ (يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه) إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ لَا يُجَالِسَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ، فَكَتَبَ أَبُو مُوسَى إِلَى عُمَرَ: أَنْ قَدْ حَسُنَتْ تَوْبَتُهُ، فَكَتَبَ عُمَرُ: أنِ ائْذَنْ لِلنَّاسِ بِمُجَالَسَتِهِ". وفي رواية ابن وضاح: "فَكَتَبَ أَبُو مُوسَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنْ قَدْ حَسُنَتْ هَيْئَتُهُ , فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنْ يَأْذَنَ لِلنَّاسِ يُجَالِسُونَهُ".

تنبيه : لا دلالة في هذا أنه لابد في كل من تاب من بدعته أن يكتب في شأنه مشهد بحسن توبته وصلاح حاله، إنما غايته أن الناس اتبعوا أمر ولي أمرهم، وما كانوا يتركونه إلا بأمره، فلهذا كتب أبو موسى إلى عمر بحسن هيئة صبيغ، لا أن ذلك شرط في صحة توبته، أو جواز ترك هجره مطلقا، والله الموفق.

كشكول ١٠٧٤: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة



قال ابن القيم رحمه الله في كتابه (مفتاح دار السعادة 1/ 140): "وقال لي شيخ الاسلام رضى الله عنه وقد جعلت اورد عليه إيرادا بعد إيراد : 
لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها فلا ينضح الا بها .
ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها ؛
فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته .

وإلا فإذا اشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات او كما قال.
فما اعلم اني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك"اهـ

كشكول ١٠٧٣: خطر الشيعة


خطر الشيعة ... 
قال ابن تيمية رحمه الله (مجموع الفتاوى 13/ 209- 210): "الخوارج دينهم المعظم مفارقة جماعة المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم.
والشيعة تختار هذا لكنهم عاجزون .
والزيدية تفعل هذا .

والإمامية تارة تفعله وتارة يقولون: لا نقتل إلا تحت راية إمام معصوم.
والشيعة استتبعوا أعداء الملة من الملاحدة والباطنية وغيرهم؛
ولهذا أوصت الملاحدة - مثل القرامطة الذين كانوا في البحرين وهم من أكفر الخلق ومثل قرامطة المغرب ومصر وهم كانوا يستترون بالتشيع أوصوا - بان يدخل على المسلمين من باب التشيع فإنهم يفتحون الباب لكل عدو للإسلام من المشركين وأهل الكتاب والمنافقين وهم من أبعد الناس عن القرآن والحديث"اهـ.

قال وقلت ١٠٥: ما هي تلك الأحاديث التي تصف أن النار في سجين أسفل سافلين؟


قال : قولك: "إن النصوص مصرحة بأن النار مخلوقة وإنها في سجين أسفل سافلين . وهذا وصف يختلف عن الشمس". متعقب؛ ما هي تلك الأحاديث التي تصف أن النار في سجين أسفل سافلين؟ 
إنها تتحدث عن البشر الذين يعذبون بها يكونون في سجين أسفل سافلين من حيث مكانتهم وليس مكانهم.
قلت: أما النصوص فهي قوله تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9)﴾

وقوله تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21)﴾
والآيات في سورة المطففين.
انظر كيف قابلت الآيات بين كتاب الأبرار الذي في عليين، وكتاب الفجار الذي في سجين، فإن ذلك يفيد أن سجين في أسفل سافلين، كما قال تعالى في سورة التين: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ فالمؤمن لا يكون في أسفل سافلين، إنما ذلك الكافر يكون في جهنم أسفل سافلين، وهم في سفولهم على مراتب كما أفاده قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً ﴾ (النِّسَاءِ: 145).
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير (ط العلمية 8/ 346): " وَالصَّحِيحُ أَنْ سِجِّينًا مَأْخُوذٌ مِنَ السَّجْنِ وَهُوَ الضِّيقُ، فَإِنَّ الْمَخْلُوقَاتِ كُلُّ مَا تَسَافَلَ مِنْهَا ضَاقَ وَكُلُّ مَا تَعَالَى مِنْهَا اتَّسَعَ، فَإِنَّ الْأَفْلَاكَ السَّبْعَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَوْسَعُ وَأَعْلَى مِنَ الَّذِي دُونَهُ، وَكَذَلِكَ الْأَرْضُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ أَوْسَعُ مِنَ الَّتِي دُونَهَا حَتَّى يَنْتَهِيَ السُّفُولُ الْمُطْلَقُ وَالْمَحَلُّ الْأَضْيَقُ إِلَى الْمَرْكَزِ فِي وَسَطِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، وَلَمَّا كَانَ مَصِيرُ الْفُجَّارِ إِلَى جَهَنَّمَ وَهِيَ أَسْفَلُ السَّافِلِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ﴾ [التِّينِ: 5] وَقَالَ هَاهُنَا: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ مَا سِجِّينٌ﴾ وَهُوَ يَجْمَعُ الضِّيقَ وَالسُّفُولَ كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً﴾ [الفرقان: 13] .
وقوله تعالى: ﴿كِتابٌ مَرْقُومٌ﴾ لَيْسَ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ: ﴿وَما أَدْراكَ مَا سِجِّينٌ﴾ وَإِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ لِمَا كُتِبَ لَهُمْ مِنَ الْمَصِيرِ إِلَى سِجِّينٍ أَيْ مَرْقُومٌ مَكْتُوبٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ لَا يُزَادُ فِيهِ أَحَدٌ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ أَحَدٌ"اهـ
فأفاد ذلك أن سجين هي جهنم التي ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ (الحج:31).
فالآية تتحدث عن مكان جهنم، في أسفل سافلين، من يدخل فيها يهوي إلى مكان سحيق، وهي دركات أهل النفاق في الدرك الأسفل منها.
ومنه تعلم بطلان القول بأن الآية تتحدث عن مكانة البشر الذين يدخلونها، أنهم أسفل سافلين من حيث مكانتهم لا مكانهم؛ فهذا قول لا يصح.
وعليه فجهنم سجين أسفل سافلين ليست هي هذه الشمس التي نراها في السماء.

لفت نظري ٦١: قول أحدهم: الشمس هي جهنم!


لفت نظري:
ما قرأته لبعضهم يقرر أنه اكتشف أن جهنم هي الشمس المضيئة سماءنا الدنيا؛
وهذا البحث فيما يظهر لي فيه نظر:
أولا: النصوص ظاهرة في التفريق بين مخلوقين احدهما اسمه الشمس والآخر اسمه جهنم والقاعدة ان الاختلاف في التسمية يقتضي التباين. ولا ترادف تام.
ثانيا: ان النصوص مصرحة بأن النار مخلوقة وانها في سجين اسفل سافلين . وهذا وصف يختلف عن الشمس.
ثالثا: ان النصوص اشارت الى ان الشمس تدنو من العباد يوم القيامة قدر ميل ، قال الراوي لا ادري اراد ميل المرود او غيره. مع ذكر ان جهنم يراها اهل العذاب.
رابعا: ان علماء الفلك يثبتون مجرات غير مجرة درب التبانة ولكل مجرة شمسا وبعضها اعظم فلا خصوصية لشمسنا في خلق الله بجهنم دون غيرها.
خامسا: حديث اذن الله لجهنم بنفسين نؤمن به ونصدق به وان لم تحط به عقولنا وعلومنا وهو دليل ان الشمس غير جهنم . خلافا للباحث .
سادسا: ان النصوص تشير الى ان جهنم وعذابها امر غيبي من شأن الآخرة فكيف يكون هو هذه الشمس التي نراها في الدنيا.
سابعا: وما ورد من القاء الشمس في جهنم يدل على انها غيرها.
والامور التي ذكرها الباحث مشكلته فيها ان يريد تفسير النصوص بحسب الواقع العلمي ويتحكم في دلالة النص لهذا الغرض والاصل ان نؤمن ونصدق بما اخبرنا به الشرع ونكل علم مالم نعلمه الى الله سبحانه وتعالى .

هذا ما ظهر لي والله اعلم واحكم