السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

كشكول ٧٨: لماذا لا يسوغ للعامي أخذ الفتوى من الكتب، أو مما يسمعه، أو يشاهده، ولا بد أن يأتي العالم ويسأله؟


«لماذا لا يسوغ للعامي أخذ الفتوى من الكتب، أو مما يسمعه، أو يشاهده، ولا بد أن يأتي العالم ويسأله؟».

ليست الفتوى مجرد إعطاء الجواب للسائل،

بل لابد فيها من مراعاة:
حال السائل،
- وواقعه،
- وتنزيل الحكم الشرعي عليه... 

ولابد أن ينظر في مآلات الحكم، ثم يجيبه على سؤاله.

وبهذه الأمور يختلف كلام العالم في المسألة، عن كلام المفتي.

وأمّا القاضي: فهو الذي يملك تنفيذ الحكم وتطبيقه على السائل، وهذا لا يملكه المفتي ولا العالم.

فالقاضي سلطته تنفيذه؛ إذ ينوب في ذلك عن ولي الأمر، ولذلك هو الحاكم الشرعي.

وبالمثال يتضح المقال: 

العالم: يتكلم عن الطلاق وأنواعه: الطلاق السني، والطلاق البدعي، ومتى يقع، ومتى لا يقع، يذكر اختلاف العلماء، والأدلة.

المفتي: تسأله عن مسألة في الطلاق: فيسأل عن الواقعة كيف صدرت، وبأي حال كانت المرأة، وعن لفظ الطلاق، ويستفصل عن كل أمر يؤثر في حكم الطلاق، ثم يقول: «هذا الطلاق غير واقع». مثلاً. 

القاضي: ينظر إذا قيل: إن المطلق كان غضباناً غضباً شديداً أخرجه عن إدراك ما يتلفظ به، فما عاد يشعر بماذا تكلم، عندها يقول القاضي: «هل لديك شهود أنك إذا غضبت يصبح هذا حالك؟». فإذا أتى بالشهود، يقول له القاضي: «هل لديك شهود أنك طلقت وقد بلغ حالك هذا المبلغ؟». فإن قال ليس لدي شهود! يقول القاضي: «هل تقسم بالله أن الطلاق صدر منك في هذه الحال؟». فإن أقسم، تحقق القاضي من حاله. يأتي إلى المرأة ويسألها عن حالها... وهكذا يتحقق من الأمور، فإذا ثبتت، أنفذ الطلاق. فإن كانت الطلقة الثالثة فرق بينهما، وإن كانت رجعية، أخبره القاضي بذلك، وأن الأمر بيده إن شاء أرجعها في العدة، وإن شاء تمضي العدة ولا تحل له إلا بعقد جديد، ومهر جديد في الرجعية. وإذا كانت الثالثة أخبره أنها لا تحل له، حتى تنكح زوجاً آخراً، ويدخل بها، فإن طلقها، خطبها زوجها الأول كغيره من الخطاب. 

فالعالم: يقرر المسألة. 

والمفتي: ينزلها على واقع المستفتي. 

والقاضي: ينفذ الحكم.

وفي (طبقات الفقهاء، (١٧٥-١٧٦).)، و(سير أعلام النبلاء، (١٣/ ١١٥).): «قال أبو إسحاق الشيرازي: «... وسمعت شيخنا القاضي أبا الطيب الطبري يقول: «سمعت أبا العباس الخضري قال: «كنت جالسًا عند أبي بكر محمد بن داود، فجاءته امرأة، فقالت: «ما تقول في رجل له زوجة، لا هو يمسكها، ولا هو يطلقها؟». فقال أبو بكر: «اختلف في ذلك أهل العلم؛ فقال قائلون: «تؤمر بالصبر والاحتساب، وتبعث على الطلب والاكتساب». وقال قائلون: «يؤمر بالإنفاق، وإلا حمل على الطلاق». فلم تفهم المرأة قوله، فأعادت سؤالها عليه! فقال: «يا هذه قد أجبتك... ولست بسلطان فأمضي، ولا قاض فأقضي، ولا زوج فأرضي؛ فانصرفي». قال: «فانصرفت المرأة ولم تفهم جوابه».». اهـ. 

أقول: جواب أبي بكر محمد بن داود الظاهري جواب عالم، وليس فتوى، ولا قضاء قاض!