السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الأحد، 23 أغسطس 2015

لفت نظري ٥٩: قول بعضهم: «إن التحالف بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والأمير محمد بن سعود -رحمهما الله- منع قيام دولة الخلافة...»


لفت نظري قول بعضهم: «إن التحالف بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والأمير محمد بن سعود -رحمهما الله- منع قيام دولة الخلافة، وجعل الجزيرة العربية عميلة للولايات المتحدة الأمريكية!».
وأقول : هذا الكلام فيه نظر، 
لأن الجزم بذلك وهو غيب، فمن أين له أن التحالف منع قيام دولة الخلافة؟ أاطلع على الغيب؟!
ولأن قضية دولة الخلافة لا تقوم بهذا الوضع والحال الذي عليه أهل الإسلام، من التفكك والتشرذم والضعف، وقهر وطغيان أعداء الدين.
ولأن قضية قيام دولة الخلافة ليست مجرد دعوى يقولها أي فرد من أفراد المسلمين، وليست هي من مسؤولياتهم كأفراد، إنما السنة على أئمة المسلمين أن يتحدوا ويشكلون أمة واحدة، كما قال تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء:92). وعلى الأفراد السمع والطاعة لولاة أمرهم في المعروف.
وقد قال ابن تيمية الحراني (ت728هـ) رحمه الله مجموع الفتاوى (34/ 175، 176).: "والسُّنّة أن يكون للمسلمين إمام واحد والباقون نوّابه، فإذا فرض أن الأئمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها وعجز من الباقين أو غير ذلك فكان لها عدة أئمة لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود ويستوفي الحقوق"اهـ.
وذكر ابن كثير (ت749هـ) في تفسيره((1/ 74) (ط. مكتبة النهضة بمكة المكرمة).) قال: "وهذا يشبه حال الخلفاء من بني العباس بالعراق، والفاطميين بمصر، والأمويين بالمغرب"اهـ.
ولأنه لا علاقة بين قيام الدولة السعودية بهذا التحالف المبارك بين حجة القرآن التي يمثلها دعوة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، وقوة السيف والسنان، التي يمثلها الإمام محمد بن سعود رحمه الله؛
فالدولة السعودية بهذا التحالف المبارك لم تخرج على الدولة العثمانية، التي لم يكن لها سيطرة أصلاً على البلاد النجدية، وكانت الدولة العثمانية التركية في حال من الضعف وتسلط الأعداء عليها، وانشغالها بذلك عن أقطار البلاد الواقعة تحت سيطرتها، فليس لها ناموس حاكم على تلك البلاد.
وسقطت الدولة العثمانية بمخططات عالمية استعمارية!
ولم يمنع ملوك المملكة العربية السعودية يوما ما من عودة دولة الخلافة، وهل إنشاء رابطة العالم الإسلامي إلا خطوة في هذا الطريق، إذا صدقت النية!
ولأن حال الناس لا ينبغي أن يترك دون حاكم يسوسهم ويقوم بما يصلحهم في دينهم ودنياهم، وهذا شأن الإمامة في الدين؛
وقال محمد بن عبد الوهاب التميمي (ت1206هـ) رحمه الله: "الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء ولولا هذا ما استقامت الدنيا لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد ولا يعرفون أحداً من العلماء ذكر أن شيئاً من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم"اهـ(الدرر السنية (9/ 5).).
وقال الشوكاني (ت1250هـ) رحمه الله: "لما اتسعت أقطار الإسلام، ووقع الاختلاف بين أهله، واستولى على كل قطر من الأقطار سلطان؛ اتفق أهله على أنه إذا مات بادروا بنصب من يقوم مقامه. وهذا معلوم لا يخالف فيه أحد، بل هو إجماع المسلمين أجمعين منذ قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هذه الغاية"اهـ(السيل الجرار (4/ 502). وانظر (4/ 512).).
فهل يريد أصحاب هذا القول، أن يترك الناس بدون إمام يقوم بمصالح البلاد والعباد في شؤون الدين والدنيا حتى تقوم دولة الخلافة بزعمهم؟! أليست هذه هي نفسها نظرة الشيعة الاثنى عشرية؟!
هل تريدون أن لا تقوم دولة ترفع راية الإسلام الصافي الذي يحارب الشرك والجهل والبدع؟
ما الذي صنعه الحلف الذي قام بين الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب والإمام محمد بن سعود رحمهما الله؟!
لقد حاربا الجهل، ونقضا أركان الشرك، ودفعا ظلام الوثنية الذي خيم على أرجاء الجزيرة العربية، وأعاداها بفضل الله ثم بفضل هذا التحالف إلى نور التوحيد والسنة كما كانت قبل الشرك والجهل الذي عمّ أرجاءها!
إن تحالف الإمامين مرتكز خير وعطاء لتجديد الدين والعودة به كما كان؛ ينبغي أن يذكر فيشكر، فجزاهما الله خير ما جزى أحداً عن أمته وشعبه!
ثم أي عمالة للجزيرة العربية مع الولايات المتحدة؟ 
بعض الناس يتكلم بما لا يعرف!
الولايات الأمريكية المتحدة دولة عظمى، التصادم والحرب معها لا يعود بخير على البلاد الإسلامية، بل إن الصلح معها يحقق مصلحة للإسلام والمسلمين؛ لأن الدخول معها في حرب ، هو دخول في حرب غير متكافئة تجر البلاد والعباد إلى الهلاك والدمار.
ولأن الصلح معها يسلم البلاد والعباد ، ويحفظ لهم دنياهم ودينهم، ويعطي الفرصة لإعداد العدة حتى تكون للمسلمين القوة والقدرة على المواجهة.
وهذا هو ما جاء به الدين فالله تبارك وتعالى يقول: ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (الأنفال:61)، ولم يختلف في أن حكم الآية في حال ضعف المسلمين، وإنما وقع الخلاف في هل يكون ذلك في حال قوة المسلمين؟
وهو ما طبقه الرسول صلى الله عليه وسلم فعلياً مع كفار قريش في صلح الحديبية!
ولأن هذا الصلح يعطي المسلمين فرصة في الدعوة إلى الإسلام!
هل تعلم أن الكفار اليوم هم الذين يريدون تحريك المسلمين إلى مواجهة معهم؟ لأنهم يريدون أن يكسروا كل قوة لدى المسلمين، ويشغلونهم عن أمر دينهم ودعوتهم!

فالسكينة السكينة ... والسنة السنة ... تهتدوا بإذن الله !