السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الاثنين، 21 سبتمبر 2015

قال وقلت ١٠٩: تفسير بالرأي المذموم لسورة التكاثر



قال: قولكم : "إن النصوص تشير إلى أن جهنم وعذابها أمر غيبي من شأن الآخرة، فكيف يكون هو هذه الشمس التي نراها في الدنيا"اهـ. متعقب؛ راجع البحث أولاً واقرأ تفسير سورة التكاثر عيب لما تنتقد قبل قراءة البحث وجريمة أن تضيع وقتنا وتعطلنا عن الأبحاث وأنت لم تقرأ البحث.
قلت : يشير إلى قوله في مقالته، عن سورة التكاثر؛
"﴿كلا سوف تعلمون﴾ : (هنا يقسم الله بعلم سنعلمه في المستقبل).
﴿ثم كلا سوف تعلمون﴾: (ثم يؤكد الله مرة أخرى على علم سنعلمه في المستقبل)!.
﴿كلا لو تعلمون علم اليقين﴾: (سيأذن الله باختراع التليسكوبات التي هي علم يقيني مشاهد وليس ظني).
﴿لترون الجحيم﴾ : (فسنرى الشمس على حقيقتها بالتليسكوبات ونعلم أن تلك هي جهنم). ".
ثم قال : "ترتيب مبسط لمراحل جهنم بالنسبة للبشرية:
﴿كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم﴾: سوف نرى جهنم في حياتنا الدنيا علم اليقين.
﴿ثم لترونها عين اليقين﴾: سوف نرى جهنم في القبر عين اليقين.
﴿ثم لتسألن يومئذ عن النعيم﴾: أي يوم القيامة وهو يوم الحساب الذي هو يوم المساءلة ، يسألنا الله عن النعيم في الدنيا فيما بددناه وهل عبدناه حق عبادته سبحانه وتعالى أم لا؟"اهـ
وكلامه هذا فيه نظر من وجوه :
أولاً : سمى هذا تفسير سورة التكاثر، وهو من باب التفسير بالرأي المذموم، لأنه اختل فيه شرط التفسير بالرأي المحمود. حيث فسر السورة بما خرج في معناها عما جاء في التفسير بالمأثور، وعن سنن العربية!
ثانيا : يلزم على تفسيره أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى حين اكتشاف التلسكوبات لم يكن لديهم علم اليقين بجهنم! وذلك لأنه فسر علم اليقين بهذا فقال: "﴿كلا لو تعلمون علم اليقين﴾: (سيأذن الله باختراع التليسكوبات التي هي علم يقيني مشاهد وليس ظني)."اهـ ومعنى هذا أن علم السلف من الصحابة ومن تبعهم إلى ين اختراع التلسكوبات وتوجيهها إلى رؤية الشمس ، علمهم بجهنم ظني!
ثالثاً : أن معنى كلامه هذا في تفسير السورة وفي مقاله جميعه أن العلم بجهنم أصبح اليوم علم يقيني، وهذا باطل؛ فإن شأن جهنم غيب، ولذلك الإيمان بها مطلوب، و لا يتم إيمان العبد إلا بذلك ، أخرج البخاري تحت رقم (3435)، ومسلم تحت رقم (28) عَنْ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ. مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ أَيَّهَا شَاءَ".
شرح النووي على مسلم (1/ 227)
"هَذَا حَدِيثٌ عَظِيمُ الْمَوْقِعِ وَهُوَ أَجْمَعُ أَوْ مِنْ أَجْمَعِ الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْعَقَائِدِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ فِيهِ مَا يُخْرِجُ عَنْ جَمِيعِ مِلَلِ الْكُفْرِ عَلَى اخْتِلَافِ عَقَائِدِهِمْ وَتَبَاعُدِهِمْ فَاخْتَصَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَحْرُفِ عَلَى مَا يُبَايِنُ بِهِ جَمِيعَهُمْ"اهـ
فالنار غيب وهي حق، نؤمن بها ونصدق بوجودها، فكيف ما كان هذا حاله يقال أنها هي الشمس؟!
أمّا تفسير أهل العلم والإيمان لموضع الشاهد من سورة الكوثر ، فأورده هنا:
قال البغوي في تفسيره/ طيبة (8/ 518- 519): "{كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) }
{كَلَّا} لَيْسَ الْأَمْرُ بِالتَّكَاثُرِ، {سَوْفَ تَعْلَمُونَ} وَعِيدٌ لَهُمْ، ثُمَّ كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا فَقَالَ: {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} قَالَ الْحَسَنُ، وَمُقَاتِلٌ: هُوَ وَعِيدٌ بَعْدَ وَعِيدٍ، وَالْمَعْنَى: سَوْفَ تَعْلَمُونَ عَاقِبَةَ تَكَاثُرِكُمْ وَتَفَاخُرِكُمْ إِذَا نَزَلَ بِكُمُ الْمَوْتُ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: "كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ"، يَعْنِي الْكُفَّارَ، "ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ" يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ، وَكَانَ يَقْرَأُ الْأَوْلَى بِالْيَاءِ وَالثَّانِيَةَ بِالتَّاءِ. {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} أَيْ: عِلْمًا يَقِينًا، فَأَضَافَ الْعِلْمَ إِلَى الْيَقِينِ كَقَوْلِهِ: "لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ"، وَجَوَابُ "لَوْ" مَحْذُوفٌ، أَيْ: لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمًا يَقِينًا لَشَغَلَكُمْ مَا تَعْلَمُونَ عَنِ التَّكَاثُرِ وَالتَّفَاخُرِ.
قَالَ قَتَادَةُ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ بَاعِثُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ .
{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ: "لُتُرَوُنَّ" بِضَمِّ التَّاءِ مَنْ أَرَيْتُهُ الشَّيْءَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ التَّاءِ، أَيْ: تَرَوْنَهَا بِأَبْصَارِكُمْ مِنْ بَعِيدٍ. 
{ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) }
{ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا} مُشَاهَدَةً، {عَيْنَ الْيَقِينِ} {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} قَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي كُفَّارَ مَكَّةَ، كَانُوا فِي الدُّنْيَا فِي الْخَيْرِ وَالنِّعْمَةِ، فَيُسْأَلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ شُكْرِ مَا كَانُوا فِيهِ، وَلَمْ يَشْكُرُوا رَبَّ النَّعِيمِ حَيْثُ عَبَدُوا غَيْرَهُ، ثُمَّ يُعَذَّبُونَ عَلَى تَرْكِ الشُّكْرِ، هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ.
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رفعه قال: "لتسئلن يَوْمئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ" قَالَ: "الْأَمْنُ وَالصِّحَّةُ".
وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ اللَّهَ يَسْأَلُ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ عَمَّا أَنْعَمَ عَلَيْهِ "اهـ
وقال ابن كثير في تفسيره تفسير ابن كثير/تحقيق سلامة (8/ 474): 
"وَقَوْلُهُ: {كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: هَذَا وَعِيدٌ بَعْدَ وَعِيدٍ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: {كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} يَعْنِي: الْكُفَّارَ، {ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} يَعْنِي: أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ.
وَقَوْلُهُ: {كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} أَيْ: لَوْ عَلِمْتُمْ حَقَّ الْعِلْمِ، لَمَا أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ عَنْ طَلَبِ الدَّارِ الْآخِرَةِ، حَتَّى صِرْتُمْ إِلَى الْمَقَابِرِ.
ثُمَّ قَالَ: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} هَذَا تَفْسِيرُ الْوَعِيدِ الْمُتَقَدِّمُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} تَوعَّدَهم بِهَذَا الْحَالِ، وَهِيَ رُؤْيَةُ النَّارِ الَّتِي إِذَا زَفَرَتْ زَفْرَةً خَرَّ كُلُّ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وَنَبِيٍّ مُرْسَلٍ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، مِنَ الْمَهَابَةِ وَالْعَظَمَةِ وَمُعَايَنَةِ الْأَهْوَالِ، عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْأَثَرُ الْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} أَيْ: ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ شُكْرِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكُمْ، مِنَ الصِّحَّةِ وَالْأَمْنِ وَالرِّزْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. مَا إِذَا قَابَلْتُمْ بِهِ نِعَمَهُ مِنْ شُكْرِهِ وَعِبَادَتِهِ"اهـ.

فالآيات عن الكفار ومعنى ذلك أن المؤمنين قد رأوها علم اليقين، قبل التلسكوبات، وهذا بتصديقهم وإيمانهم بما أخبرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم، فبطل أن المراد أنهم سيرونها لما تخترع التلسكوبات. فليست جهنم هي الشمس!