السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الاثنين، 30 نوفمبر 2015

سؤال وجواب ٣٠٨: ليس مراد البخاري أن الكلام في الجرح والتعديل غيبة


سؤال :
سمعت أن البخاري قالَ: أَرْجُو أَنْ أَلقَى اللهَ وَلاَ يحَاسبنِي أَنِّي اغتبتُ أَحَداً.
فهل معنى هذا أن ما يصنعه بعض طلاب العلم من الجرح والتعديل غيبة لا تجوز، وأن تحذيرهم من بعض من ينتسب إلى طلب العلم هو غيبة لا تجوز. خاصة وأن في من يجرحونه ويحذرون منه من يتكلم في الدروس والخطب والمواعظ؟
الجواب :
ليس مراد البخاري أن الكلام في الجرح والتعديل غيبة! إنما مراده أنه كان يتجنب العبارات الصريحة في الجرح والثلب للرواة المتكلم فيهم، فيأتي بعبارات خفيفة، ولكنها تؤدي نفس المعنى.
وقد أورد الذهبي كلام البخاري هذا وعلق عليه بما يفيد هذا المعني .
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (12/ 439 - 441): "وَقَالَ بَكْرُ بنُ مُنِيْرٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: أَرْجُو أَنْ أَلقَى اللهَ وَلاَ يحَاسبنِي أَنِّي اغتبتُ أَحَداً.
قُلْتُ (الذهبي): صَدَقَ -رَحِمَهُ اللهُ- وَمَن نظَرَ فَى كَلاَمِهِ فِي الجرحِ وَالتعديلِ عَلِمَ وَرعَهُ فِي الكَلاَمِ فِي النَّاسِ، وَإِنصَافَهُ فِيْمَنْ يُضَعِّفُهُ، فَإِنَّهُ أَكْثَر مَا يَقُوْلُ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ، سَكَتُوا عَنْهُ، فِيْهِ نظرٌ، وَنَحْو هَذَا. وَقَلَّ أَنْ يَقُوْلَ: فُلاَنٌ كَذَّابٌ، أَوْ كَانَ يَضَعُ الحَدِيْثَ.
حَتَّى إِنَّهُ قَالَ: إِذَا قُلْتُ: فُلاَنٌ فِي حَدِيْثِهِ نَظَرٌ، فَهُوَ مُتَّهَمٌ وَاهٍ.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: لاَ يُحَاسبُنِي اللهُ أَنِّي اغتبْتُ أَحَداً، وَهَذَا هُوَ وَاللهِ غَايَةُ الوَرَعِ"اهـ.
فهذا يفيد أنه يتجنب الجرح الصريح في عبارته!
ولما ذكر للبخاري رحمه الله أن في كتابه التاريخ جرحا ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم في بعض الناس.
ففي سير أعلام النبلاء (12/ 441): "قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: سَمِعْتُهُ -يَعْنِي: البُخَارِيَّ- يَقُوْلُ: لاَ يَكُوْنُ لِي خصمٌ فِي الآخِرَةِ، فَقُلْتُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَنْقِمُونَ عَلَيْكَ فِي كِتَابِ (التَّارِيْخ) وَيَقُوْلُوْنَ: فِيْهِ اغتيَابُ النَّاسِ، فَقَالَ: إِنَّمَا روينَا ذَلِكَ رِوَايَةً لَمْ نَقُلْهُ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِنَا، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بِئْسَ مَوْلَى العَشِيْرَةِ) يَعْنِي: حَدِيْث عَائِشَةَ .
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا اغتبْتُ أَحَداً قَطُّ مُنْذُ عَلِمتُ أَنَّ الغِيبَةَ تَضُرُّ أَهْلَهَا"اهـ.
والتحذير من أهل البدع والمخالفين لأهل السنة، وأصحاب المذاهب المنحرفة والأفكار الضالة، هذا من النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، والدين النصيحة.
والله جل وعلا أمرنا بأن لا نقبل خبر الفاسق، فقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات: 6]. ومعنى ذلك أنه لابد أن نعرف حال من يأتينا وينقل إلينا الخبر، فإذا كان هذا في الأخبار عامة، فما يتعلق بالدين أولى وآكد، ولذلك جاء عن جماعة السلف: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم".

وهذا هو حال السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. والله الموفق.