السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الخميس، 5 مارس 2015

سؤال وجواب ١١٨: أين أجد توثيق قول مالك المذكور؟



قال ابن العربي في عارضة الأحوذي (1/ 87): «وأصل مالك أن شهرة الحديث بالمدينة تغني عن صحة سنده»اهـ.
وقال المحقق ابن الهمام الحنفي في شرح فتح القدير (3/ 493): «قال مالك: شهرة الحديث بالمدينة تغني عن صحة سنده»اهـ.
وقد وقع السؤال عن: «أين أجد توثيق قول مالك المذكور؟».

والجواب:
وجدت قول مالك المذكور بمعناه في رسالته التي أرسلها لليث بن سعد ونقلها القاضي عياض في كتابه ترتيب المدارك وتقريب المسالك (1/ 41- 44)، ونصها:
«من مالك بن أنس إلى الليث بن سعد.
سلام عليكم، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو.
أما بعد: 
عصمنا الله وإياك بطاعته في السر والعلانية، وعافانا وإياك من كل مكروه.
اعلم -رحمك الله- أنه بلغني أنك تفتي الناس بأشياء مخالفة لما عليه جماعة الناس عندنا وببلدنا الذي نحن فيه.
وأنت في إمامتك وفضلك ومنزلتك من أهل بلدك وحاجة من قبلك إليك، واعتمادهم على ما جاءهم منك، حقيق بأن تخاف على نفسك وتتبع ما ترجو النجاة باتباعه، فإن الله تعالى يقول في كتابه: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار}، الآية.
وقال تعالى: {فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}، الآية.
فإنما الناس تبع لأهل المدينة، إليها كانت الهجرة، وبها نزل القرآن، وأحل الحلال وحرم الحرام؛ إذ رسول الله بين أظهرهم يحضرون الوحي والتنزيل، ويأمرهم فيطيعونه، ويسن لهم فيتبعونه، حتى توفاه الله، واختار له ما عنده -صلوات الله عليه ورحمته وبركاته-.
ثم قام من بعده أتبع الناس له من أمته ممن ولي الأمر من بعده فما نزل بهم مما علموا أنفذوه، وما لم يكن عندهم فيه علم سألوا عنه، ثم أخذوا بأقوى ما وجدوا في ذلك في اجتهادهم وحداثة عهدهم، وإن خالفهم مخالف أو قال امرؤ غيره أقوى منه وأولى ترك قوله وعمل بغيره.
ثم كان التابعون من بعدهم يسلكون تلك السبيل ويتبعون تلك السنن، فإذا كان الأمر بالمدينة ظاهراً معمولاً به لم أر لأحد خلافه للذي في أيديهم من تلك الوراثة التي لا يجوز لأحد انتحالها ولا ادعاؤها، ولو ذهب أهل الأمصار يقولون هذا العمل ببلدنا وهذا الذي مضى عليه من مضى منا، لم يكونوا من ذلك على ثقة، ولم يكن لهم من ذلك الذي جاز لهم.
فانظر -رحمك الله- فيما كتبت إليك فيه لنفسك، واعلم أني أرجو أن لا يكون دعائي إلى ما كتبت به إليك إلا النصيحة لله تعالى وحده، والنظر لك والظن بك، فانزل كتابي منك منزلته، فإنك إن فعلت تعلم أني لم آلك نصحاً.
وفقنا الله وإياك لطاعته وطاعة رسوله في كل أمر وعلى كل حال.
والسلام عليك ورحمة الله، وكتب يوم الأحد لتسع مضين من صفر».
وكان من جواب الليث عن هذه الرسالة: 
«وإنه بلغك عني أني أفتي بأشياء مخالفة لما عليه جماعة الناس عندكم، وأنه يحق علي الخوف على نفسي؛ لاعتماد من قبلي فيما أفتيهم به، وأن الناس تبع لأهل المدينة التي إليها كانت الهجرة وبها نزل القرآن، وقد أصبت بالذي كتبت من ذلك إن شاء الله، ووقع مني بالموقع الذي لا أكره ولا أشد تفضيلاً مني لعلم أهل المدينة الذين مضوا ولا آخذ بفتواهم مني والحمد لله، وأما ما ذكرت من مقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة ونزول القرآن عليه بين ظهراني أصحابه وما علمهم الله منه، وإن الناس صاروا تبعاً لهم فكما ذكرت».
قال القاضي عياض: «أنا اختصرت هذا وأتيت منها بموضع الحاجة، وبالله التوفيق»اهـ.

وموضع الشاهد هو قول مالك -يرحمه الله-: «فإذا كان الأمر بالمدينة ظاهراً معمولاً به لم أر لأحد خلافه للذي في أيديهم من تلك الوراثة التي لا يجوز لأحد انتحالها ولا ادعاؤها»اهـ.