السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الخميس، 5 مارس 2015

سؤال وجواب ١١٩: ما محل ما نسمعه من أهل العلم من أن تقسيم الأخبار إلى آحاد ومتواتر لم يكن من علوم السلف



سؤال:
«ما محل ما نسمعه من أهل العلم من أن تقسيم الأخبار إلى آحاد ومتواتر لم يكن من علوم السلف، وأنه مما دخل إلى الثقافة الإسلامية تأثراً لمناهج المدرسة العقلية اليونانية؟».

الجواب: 
لم ينكر العلماء -رحمهم الله- إن تقسيم الأخبار من جهة نقلها إلى آحاد ومتواتر وغير ذلك أمر واقعي، ولم ينكروا تفاوت الأخبار في إفادتها للعلم فإنها قضية بدهية.
إنما أنكروا الأمور التالية:
1- أنكروا حصر إفادة العلم على المتواتر، وذلك أن أتباع المدرسة العقلية الذين ساروا على خطى المدرسة اليونانية حصروا إفادة العلم على المتواتر، فعندهم أن خبر الآحاد يفيد الظن مطلقاً، والمتواتر يفيد العلم مطلقاً. أمّا جمهور أهل العلم من أهل المذاهب الأربعة فقالوا: العلم قد يستفاد من المتواتر، وقد يستفاد من قرائن أخرى، منها ما يرجع إلى صفات النافلين، ومنها ما يرجع إلى أمور أخرى كإخراج صاحبا الصحيح له أو أحدهما، أو تلقي الأمة له بالقبول ونحو ذلك. 
2- أنكروا إطلاق القول في أن الآحاد يفيد الظن ولا يفيد العلم، فقالوا: قد يقترن بخبر الآحاد ما يجعله يفيد العلم. بل قال أهل الحديث: إذا ثبت الخبر عن رسول الله أفاد العلم وأوجب العمل.
3- أنكروا تقسيم أبواب الشرع إلى العقيدة والأحكام، فجعل أتباع المدرسة العقلية أبواب العقيدة لا تثبت إلا بيقين، وبما أن الأخبار لا يفيد منها العلم إلا المتواتر، فلا تثبت أمور العقيدة إلا بالمتواتر، أما حديث الآحاد فهو يفيد الظن مطلقاً، على أي حال أو صفة، فلا محل له في أبواب العقيدة، إنما محله في الشرائع والأحكام. هذا التقسيم أنكره أهل السنة والجماعة، فقالوا تقسيم الأخبار إلى متواتر يفيد العلم وآحاد يفيد الظن، والبناء على هذا أن العقيدة لا تثبت إلا بالمتواتر، فالآحاد لا محل له في العقائد، هذا أمر مردود عند السلف وأتباعهم؛ لأن إفادة العلم ليست محصورة في المتواتر، ولأن هذا التقسيم لأبواب الشريعة حادث لم يأت من سلف الأمة.
هذا هو محل إنكار العلماء لقضية تقسيم الأخبار إلى آحاد ومتواتر.
فمن رتب على القسمة حصر إفادة العلم على التواتر، وأن الآحاد ظني مطلقاً على أي حال، وأن أبواب الدين ما تعلق منها بالأحكام يقبل فيه الآحاد، وما تعلق منها بالعقيدة لا يقبل فيها إلا المتواتر؛ من رتب على القسمة هذه الأمور فقد أخذ بقول المعتزلة المتأثرين بعلم اليونان، والله المستعان.