السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الأربعاء، 4 مارس 2015

كشكول ٧٨٨: التأويل في القرآن وكلام السلف يختلف عن معناه عند المتأخرين



التأويل في القرآن وكلام السلف يختلف عن معناه عند المتأخرين.
المعنىٰ الشائع لهذه الكلمة عند المتأخرين هو صرف اللفظ عن ظاهره بقرينة.
والتأويل بهذا المعنىٰ لم يأت في نص شرعي، بل لم يأت في كلام السلف.
قال ابن تيمية : «التأويل في عرف المتأخرين من المتفقهة والمتكلمة والمحدثة والمتصوفة ونحوهم؛ هو: صرف اللفظ عن المعنىٰ الراجح إلىٰ المعنىٰ المرجوح لدليل يقترن به، وهذا هو التأويل الذي يتكلَّمون عليه في أصول الفقه ومسائل الخلاف، فإذا قال أحدهم: هذا الحديث أو هذا النص مؤول، أو هو محمول علىٰ كذا. قال الآخر: هذا نوع تأويل، والتأويل يحتاج إلىٰ دليل.
وهذا هو التأويل الذي يتنازعون فيه في مسائل الصفات.
وأما التأويل في لفظ السلف، فله معنيان:
أحدهما: تفسير الكلام وبيان معناه. سواء وافق ظاهره أو خالفه، فيكون التأويل والتفسير عند هؤلاء متقاربًا أو مترادفًا، وهذا -والله أعلم- هو الذي عناه مجاهد: إن العلماء يعلمون تأويله. 
ومحمد بن جرير الطبري يقول في (تفسيره): القول في تأويل قوله كذا وكذا، واختلف أهل التأويل في هذه الآية... ونحو ذلك، ومراده التفسير.
والمعنىٰ الثاني في لفظ السلف - وهو الثالث من مسمَّىٰ التأويل مطلقًا - هو نفس المراد بالكلام؛ فإن الكلام إن كان طلبًا كان تأويله نفس الفعل المطلوب؛ وإن كان خبرًا كان تأويله نفس الشيء المخبر به.
وبين هذا المعنىٰ والذي قبله بونٌ؛ فإن الذي قبله يكون التأويل فيه من باب العلم والكلام، كالتفسير والشرح والإِيضاح، ويكون وجود التأويل في القلب واللسان له الوجود الذهني واللفظي والرسمي.
وأما هذا التأويل، فيه نفس الأمور الموجودة في الخارج، سواء كانت ماضية أو مستقبلة. فإذا قيل: طلعت الشمس. فتأويل هذا نفس طلوعها، ويكون التأويل من باب الوجود العيني الخارجي؛ فتأويل الكلام هو الحقائق الثابتة في الخارج بما هي عليه من صفاتها وشؤونها وأحوالها، وتلك الحقائق لا تعرف علىٰ ما هي عليه بمجرد الكلام والإِخبار، إلا أن يكون المستمع قد تصوَّرها أو تصوَّر نظيرها بغير كلام وإخبار، لكن يعرف من صفاتها وأحوالها قدر ما أفهمه المخاطب: إما بضرب المثل، وإمَّا بالتقريب، وإما بالقدر المشترك بينها وبين غيرها، وإمَّا بغير ذلك.
وهذا الوضع والعرف الثالث هو لغة القرآن التي نزل بها، ...».

(مجموع الفتاوىٰ) (13/288 - 291) باختصار.