السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الثلاثاء، 2 يونيو 2015

كشكول ٩٦٧: تخريج حديث: «أنزل الله القرآن على سبعة أحرف...»


تخريج حديث:
عن أبي الأحوص عن ابن مسعود -رضي الله تعالى عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، لكل آية منها ظهر وبطن».
وفي رواية: «وَإِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، لِكُلِّ آيَةٍ مِنْهَا ظَهَرٌ وَبَطْنٌ، وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ».
أخرجه من طريق مغيرة بن مقسم عن واصل بن حيان عن عبدالله بن أبي الهذيل عن أبي الأحوص عن ابن مسعود عن النبي أبو يعلى في مسنده (9/80،حديث رقم: 5149) بلفظه وزاد في أوله: «لو كنت متخذاُ من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر بن أبي قحافة خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله». وفي آخره: «ولكل حد مطلع»، والطحاوي في مشكل الآثار (8/109)، بلفظه وزاد في آخره: «وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ». والطبراني في المعجم الكبير (10/105،حديث رقم:10107)، والمعجم الصغير (1/236،حديث رقم: 773)،بلفظه وزاد في أوله:"«لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله»، قال الطبراني في المعجم الصغير: «لم يرو هذا الحديث عن مغيرة إلا جرير».
 قلت: إسناده صحيح؛ فالمغيرة هو المغيرة بن مقسم الضبي ثقة، يدلس إذا روى عن إبراهيم النخعي، وهذا الحديث ليس من طريق المغيرة عن إبراهيم النخعي؛ فانتفت تهمة التدليس. وانظر تهذيب التهذيب (10/269). وأخرجه من طريق إبراهيم الهَجَري عن أبي الأحوص عن ابن مسعود عن النبي وذكره، أبو عمر الباهلي في الجزء الخامس من حديث زيد بن أبي أنيسة - مخطوط (ص: 41): «حَدَّثَنَا هِلالٌ، نا حُسَيْنُ بْنُ عَيَّاشٍ أَبُو بَكْرٍ، ثنا فُرَاتُ بْنُ سَلْمَانَ، نا إِبْرَاهِيمُ الْهَجَرِيُّ، عَنِ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، لِكُلِّ آيَةٍ مِنْهُ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ»، وابن جرير الطبري في تفسيره (1/22). وأخرجه من طريق سليمان بن بلال عن محمد بن عجلان عن أبي إسحاق عن أبي ألأحوص عن ابن مسعود عن النبي وذكره، البزار في مسنده (5/441،حديث رقم: 2081) بلفظه وزاد في آخره: «وَنَهَى أَنْ يَسْتَلْقِيَ الرَّجُلُ ـ أَحْسَبُهُ قَالَ: فِي الْمَسْجِدِ ـ وَيَضَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى»، والطحاوي في مشكل الآثار (8/87،حديث رقم: 3077)، وابن حبان في صحيحه (1/276،حديث رقم: 75)، وصرح ابن حبان في السند أن أبا إسحاق هو الهمذاني ونصه: «عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وذكره «فسمّاه الهمداني. وهذا جعل محقق (الإحسان 1/ 276، حديث رقم: 75)، يقول: «إسناده حسن، إن كان أبو إسحاق هو الهمداني كما ذكر المؤلف وهو عمرو بن عبد الله السبيعي، ولين إن كان إبراهيم بن مسلم الهجري، كما رواه الطبري في تفسيره: (11). وكلاهما يكنى أبا إسحاق، وكل منهما قد روى عن أبي الأحوص عوف بن مالك الجشمي»اهـ.
قلت: ويبدو أن الحديث مروي من طريقيهما -أعني عن أبي إسحاق السبيعي والهجري- كلاهما عن أبي الأحوص به. والحديث إسناده ضعيف فإن الهجري ضعيف، والهمداني مدلس وقد عنعن، لكنهما يشدان بعضهما ويتقويان بطريق مغيرة بن مقسم؛ فالحديث حسن لغيره. وإلا الحديث صحيح لغيره؛ فإن ابن حبان تعهد في مقدمة صحيحه أن لا يروي رواية مدلسة عن مدلس، قال ابن حبان (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 1/161): «وأمّا المدلسون الذين هم ثقات وعدول؛ فإنا لا نحتج بأخبارهم إلا ما بينوا السماع فيما رووا مثل الثوري، والأعمش، وأبي إسحاق من الأئمة المتَّقين، وأهل الورع في الدين»اهـ. (أعانتني في تخريج هذا الحديث ابنتي -جزاها الله خيرًا-).
والرواية المشار إليها عند أبي يعلى في مسند أبي يعلى الموصلي (9/ 80، تحت رقم: 5149)، عن مغيرة عن واصل بن حيان عن عبدالله بن أبي الهذيل عن أبي الأحوص عن عبدالله عن النبي . وقال محققه حسين أسد: «إسناده صحيح»اهـ.
قال البغوي -رحمه الله- شرح السنة للبغوي (1/ 263-265)، باختصار: «قَوْلُهُ: «لِكُلِّ آيَةٍ مِنْهَا ظَهْرٌ وَبَطْنٌ» اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ؛
فَيُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ الْعَرَبَ، تَقُولُ: قَلَبْتُ أَمْرِي ظَهْرًا لِبَطْنٍ.
وَيُقَالُ: الظّهر لَفْظُ الْقُرْآنِ، وَالْبَطْنُ تَأْوِيلُهُ.
وَقِيلَ: الظَّهْرُ: مَا حُدِّثَ فِيهِ عَنْ أَقْوَامٍ أَنَّهُمْ عَصَوْا، فَعُوقِبُوا وَأُهْلِكُوا بِمَعَاصِيهِمْ، فَهُوَ فِي الظَّاهِرِ خَبَرٌ، وَبَاطِنُهُ عِظَةٌ وَتَحْذِيرٌ أَنْ يَفْعَلَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا فَعَلُوا، فَيَحُلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِهِمْ.
وَقِيلَ: ظَاهِرُهُ تَنْزِيلُهُ الَّذِي يَجِبُ الإِيمَانُ بِهِ، وَبَاطِنُهُ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ، وَمَا مِنْ آيَةٍ إِلا وَتُوجِبُ الأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، لأَنَّ وُجُوهَ الْقُرْآنِ أَمْرٌ وَنَهْيٌ، وَوَعْدٌ وَوَعِيدٌ، وَمَوَاعِظُ وَأَمْثَالٌ، وَخَبْرُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَكُلُّ وَجْهٍ مِنْهَا يَجِبُّ الإِيمَانُ بِهِ، وَالتَّصْدِيقُ لَهُ، وَالْعَمَلُ بِهِ، فَالْعَمَلُ بِالأَمْرِ إِتْيَانُهُ، وَبِالنَّهْيِ الاجْتِنَابُ عَنْهُ، وَبِالْوَعْدِ الرَّغْبَةُ فِيهِ، وَبِالْوَعِيدِ الرَّهْبَةُ عَنْهُ، وَبِالْمَوَاعِظِ الاتِّعَاظُ، وَبِالأَمْثَالِ الاعْتِبَارُ.
وَقِيلَ: مَعْنَى الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ: التِّلاوَةُ وَالتَّفَهُّمُ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لِكُلِّ آيَةٍ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنْ يَقْرَأَهَا كَمَا أُنْزِلَتْ، قَالَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلا}. (المزمل: 4)، وَبَاطِنٌ وَهُوَ التَّدَبُّرُ وَالتَّفَكُّرُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}. (سورة ص: 29). ثُمَّ التِّلاوَةُ إِنَّمَا تَأْتِي بِالتَّعَلُّمِ، وَالْحِفْظِ بِالدَّرْسِ، وَالتَّفَهُّمِ إِنَّمَا يَكُونُ بِصِدْقِ النِّيَّةِ، وَتَعْظِيمِ الْحُرْمَةِ، وَطِيبِ الطُّعْمَةِ.
وَقَوْلُهُ: «لُكِلِّ حَرْفٍ حَدٌّ، وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ»، يَقُولُ: لِكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ فِي التِّلاوَةِ يَنْتَهِي إِلَيْهِ، فَلا يُجَاوَزُ، وَكَذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ؛
فَفِي التِّلاوَةِ لَا يُجَاوَزُ الْمُصْحَفُ الَّذِي هُوَ الإِمَامُ.
وَفِي التَّفْسِيرِ لَا يُجَاوَزُ الْمَسْمُوعُ. ... ... 
قَوْلُهُ: «مَطْلَعٌ». الْمَطْلَعُ: الْمَصْعَدُ، أَيْ: لِكُلِّ حَدٍّ مَصْعَدٌ يُصْعَدُ إِلَيْهِ مِنْ مَعْرِفَةِ عِلْمِهِ.
وَيُقَالُ: الْمَطْلَعُ: هُوَ الْفَهْمُ، وَقَدْ يَفْتَحُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُتَدَبِّرِ، وَالْمُتَفَكِّرِ فِيهِ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَالْمَعَانِي مَا لَا يَفْتَحُ عَلَى غَيْرِهِ، وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ»اهـ.