السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الثلاثاء، 15 سبتمبر 2015

قال وقلت ١٠٤: الأصل أن اختلاف المسميات يقتضي التباين


قال : قولك " النصوص ظاهرة في التفريق بين مخلوقين احدهما اسمه الشمس والآخر اسمه جهنم والقاعدة أن الاختلاف في التسمية يقتضي التباين. ولا ترادف تام"، متعقب: فلقد ورد لفظ محمد ولفظ رسول.
قلت: اعلم أن الأصل أن اختلاف المسميات يقتضي التباين؛ 
فالكرسي غير الطاولة، والقلم غير الممحاة، والدفتر غير الكتاب، وهكذا؛ لكن في لغة العرب التباين على درجات :
الدرجة الأولى : التباين الكلي، فالجنة غير النار. والصالح غير الطالح، والأبيض غير الأسود.
الدرجة الثانية : التباين الجزئي، بعض من كل، فيعطف البعض على الكل، لتأكيد حق هذا البعض في مزيد من الاعتناء، كما في قوله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ (البقرة:238)، فالصلاة الوسطى هي بعض الصلوات الخمس، عطفها عليها من باب عطف البعض على الكل، تأكيداً لمزيد العناية بها في المحافظة.
الدرجة الثالثة : التباين الوصفي، مع اتحاد الذات، يعني هذا الاسم يدل على صفة وهذا الاسم يدل على صفة، والذات المسماة واحدة، كأسماء الله الحسنى، فكل الأسماء تدل على الله سبحانه وتعالى، وفي كل اسم صفة يدل عليها غير ما في الآخر.وتسمى هذه الأسماء المتكافئة.
الدرجة الرابعة : تباين لفظي، وهو الترادف عند القائلين به، والراجح أن الترادف التام ممتنع، كتسمية الكذب ميناً.
وفي شرح الطحاوية / تحقيق الأرناؤوط (2/ 484- 485): "فَاعْلَمْ أَنَّ عَطْفَ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مَعَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْحُكْمِ الَّذِي ذُكِرَ لَهُمَا، وَالْمُغَايَرَةُ عَلَى مَرَاتِبَ:
أَعْلَاهَا: أَنْ يَكُونَا مُتَبَايِنَيْنِ، لَيْسَ أَحَدُهُمَا هُوَ الْآخَرَ، وَلَا جُزْءًا مِنْهُ، وَلَا بَيْنَهُمَا تَلَازُمٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الْأَنْعَامِ: 1] . {وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} [آلِ عِمْرَانَ: 3] . وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ.
وَيَلِيهِ: أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا تَلَازُمٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الْبَقَرَةِ: 42] . {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [الْمَائِدَةِ: 92] .
الثَّالِثُ: عَطْفُ بَعْضِ الشَّيْءِ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [الْبَقَرَةِ: 238] . {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [الْبَقَرَةِ: 98] {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ} [الْأَحْزَابِ: 7] .
وَفِي مِثْلِ هَذَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي الْأَوَّلِ، فَيَكُونُ مَذْكُورًا مَرَّتَيْنِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ عَطْفَهُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ هُنَا، وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِيهِ مُنْفَرِدًا، كَمَا قِيلَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي لَفْظِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ وَنَحْوِهُمَا، تَتَنَوَّعُ دِلَالَتُهُ بِالْإِفْرَادِ وَالِاقْتِرَانِ.
الرَّابِعُ: عَطْفُ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ لِاخْتِلَافِ الصِّفَتَيْنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} [غَافِرٍ: 3] . وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ الْعَطْفُ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ فَقَطْ، كَقَوْلِهِ:
فَأَلْفَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنًا"اهـ
وهذه أول قضية ذكرتها، فلا يعترض عليها بأنه ورد (محمد) و (رسول) ؛ لأن محمد صلى الله عليه وسلم بشر، يوصف بالرسالة لما أوحي إليه، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ (الكهف: 110).
فمحمد بشر، وصف بالرسالة لما أوحي إليه.
وتسميته بـ(الرسول) وصف له بالرسالة ، وتسميته بـ (محمد) وصف له بأنه كثير الحمد محمود الصفات عليه الصلاة والسلام.
فهو من باب التباين في الأوصاف.
وأمّا الشمس فهي غير جهنم! وهو تباين من الدرجة الأولى!
يتبع