السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الأربعاء، 17 فبراير 2016

كشكول ١٢٢٣: كل من آثر الدنيا على الآخرة فإنه ينطق بغير الحق


كل من آثر الدنيا على الآخرة فإنه ينطق بغير الحق
في كتاب الفوائد لابن القيم (ص: 100 - 101): "فَائِدَة جليلة : كل من آثر الدُّنْيَا من أهل الْعلم واستحبها فَلَا بُد أَن يَقُول على الله غير الْحق فِي فتواه وَحكمه فِي خَبره وإلزامه؛
 لِأَن أَحْكَام الرب سُبْحَانَهُ كثيرا مَا تَأتي على خلاف أغراض النَّاس وَلَا سِيمَا أهل الرياسة.
وَالَّذين يتبعُون الشُّبُهَات فَإِنَّهُم لَا تتمّ لَهُم أغراضهم إِلَّا بمخالفة الْحق وَدفعه كثيرا، فَإِذا كَانَ الْعَالم وَالْحَاكِم محبين للرياسة متبعين للشهوات لم يتم لهما ذَلِك إِلَّا بِدفع مَا يضاده من الْحق وَلَا سِيمَا إِذا قَامَت لَهُ شُبْهَة فتتفق الشُّبْهَة والشهوة ويثور الْهوى فيخفى الصَّوَاب وينطمس وَجه الْحق.
وَإِن كَانَ الْحق ظَاهرا لَا خَفَاء بِهِ وَلَا شبة فِيهِ  أقدم على مُخَالفَته، وَقَالَ: لي مخرج بِالتَّوْبَةِ.
وَفِي هَؤُلَاءِ وأشباههم قَالَ تَعَالَى : {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات}، وَقَالَ تَعَالَى فيهم أَيْضا : ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سيغفر لنا وَإِن يَأْتِيهم عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تعقلون﴾؛ فَأخْبر سُبْحَانَهُ أَنهم أخذُوا الْعرض الْأَدْنَى مَعَ علمهمْ بِتَحْرِيمِهِ عَلَيْهِم وَقَالُوا: سيغفر لنا.
وَإِن عرض لَهُم عرض آخر أَخَذُوهُ فهم مصرون على ذَلِك .
وَذَلِكَ هُوَ الْحَامِل لَهُم على أَن يَقُولُوا على الله غير الْحق؛ فَيَقُولُونَ هَذَا حكمه وشرعه وَدينه وهم يعلمُونَ أَن دينه وشرعه وَحكمه خلاف ذَلِك. أَولا يعلمُونَ أَن ذَلِك دينه وشرعه وَحكمه فَتَارَة يَقُولُونَ على الله مَالا يعلمُونَ وَتارَة يَقُولُونَ عَلَيْهِ مَا يعلمُونَ بُطْلَانه .
وَأما الَّذين يَتَّقُونَ فيعلمون أَن الدَّار الْآخِرَة خير من الدُّنْيَا فَلَا يحملهم  حب الرياسة والشهوة على أَن يؤثروا الدُّنْيَا على الْآخِرَة .
وَطَرِيق ذَلِك أَن يَتَمَسَّكُوا بِالْكتاب وَالسّنة ويستعينوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة ويتفكروا فِي الدُّنْيَا وزوالها وخستها وَالْآخِرَة وإقبالها ودوامها .
وَهَؤُلَاء لَا بُد أَن يبتدعوا فِي الدّين مَعَ الْفُجُور فِي الْعَمَل فيجتمع لَهُم الْأَمْرَانِ فَإِن اتِّبَاع الْهوى يعمي عين الْقلب فَلَا يُمَيّز بَين السّنة والبدعة أَو ينكسه فَيرى الْبِدْعَة سنة وَالسّنة بِدعَة؛
فَهَذِهِ آفَة الْعلمَاء إِذا آثروا الدُّنْيَا وَاتبعُوا الرياسات والشهوات .
وَهَذِه الْآيَات فيهم إِلَىّ قَوْله: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾ فَهَذَا مثل عَالم السوء الَّذِي يعْمل بِخِلَاف علمه"اهـ