هل تعلم:
أن الله يذهب الغم إذا أصاب الإنسان بأن يبتليه بغم غيره، فيذهب الغم الأول بالغم الثاني.
قال تبارك وتعالى: {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}. (آل عمران: ١٥٣).
والمعنى: أن الله -تبارك وتعالى- دفع غمهم الأول بأن ابتلاهم بأمر آخر؛ فانشغلوا به عن حزنهم وغمهم بالأمر الأول، فدفع الغم بالغم.
وفي زاد المفسرين (١/٣٣٦):
«قوله تعالى: {غَمًّا بِغَمٍّ} في هذه الباء أربعة أقوال:
- أحدها: أنها بمعنى «مع».
- والثاني: بمعنى «بعد».
- والثالث: بمعنى «على»،
فعلى هذه الثلاثة الأقوال يتعلق الغمان بالصحابة. وللمفسرين في المراد بهذين الغمين خمسة أقوال:
أحدها: أن الغم الأول: ما أصابهم من الهزيمة والقتل، والثاني: إشراف خالد بن الوليد بخيل المشركين عليهم، قاله: ابن عباس، ومقاتل.
والثاني: أن الأول: قرارهم الأول، والثاني: قرارهم حين سمعوا أن محمداً قد قتل، قاله: مجاهد.
والثالث: أن الأول: ما فاتهم من الغنيمة، وأصابهم من القتل والجراح، والثاني: حين سمعوا أن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قد قتل، قاله: قتادة.
والرابع: أن الأول: ما فاتهم من الغنيمة، والفتح، والثاني: إشراف أبي سفيان عليهم، قاله: السدي.
والخامس: أن الأول: إشراف خالد بن الوليد عليهم، والثاني: إشراف أبي سفيان عليهم، ذكره: الثعلبي.
- والقول الرابع: أن الباءَ بمعنى الجزاء، فتقديره: غمكم كما غممتم غيركم، فيكون أحد الغمين للصحابة، وهو أحد غمومهم التي ذكرناها عن المفسرين، ويكون الغم الذي جُوزوا لأجله لغيرهم.
وفي المراد بغيرهم قولان:
أحدهما: أنهم المشركون غموهم يوم بدر، قاله: الحسن.
والثاني: أنه النبي -صلّى الله عليه وسلّم- غموه حيث خالفوه؛ فجوزوا على ذلك بأن غمّوا بما أصابهم، قاله: الزجاج.
قوله تعالى: {لِكَيْلا تَحْزَنُوا} في «لا» قولان:
- أحدهما: أنها باقية على أصلها، ومعناها: النفي، فعلى هذا في معنى الكلام قولان:
أحدهما: فأثابكم غماً أنساكم الحزن على ما فاتكم وما أصابكم، وقد روي أنهم لما سمعوا أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قد قتل، نسوا ما أصابهم وما فاتهم. والثاني: أنه متّصل بقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ}، فمعنى الكلام: عفا عنكم؛ لكيلا تحزنوا على ما فاتكم وأصابكم؛ لأن عفوه يذهب كل غم.
- والقول الثاني: أنها صلة، ومعنى الكلام: لكي تحزنوا على ما فاتكم وأصابكم عقوبة لكم في خلافكم. ومثلها قوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} أي: ليعلم. هذا قول المفضل.
قال ابن عباس: «والذي فاتهم: الغنيمة، والذي أصابهم: القتل والهزيمة».