السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الاثنين، 15 ديسمبر 2014

كشكول ٣٤١: من خرج للقتال؛ من أجل أن يقتل، ظاناً أنه إذا قتل صار شهيدًا! فإن فعله هذا لا يجوز


من خرج للقتال؛ من أجل أن يقتل، ظاناً أنه إذا قتل صار شهيدًا! فإن فعله هذا لا يجوز؛ 

أخرج البخاري تحت رقم: (2805)، ومسلم تحت رقم: (1903) عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: «غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ لَئِنِ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ».
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ -يَعْنِي أَصْحَابَهُ- وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ -يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ-»، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: «يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ الْجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ». قَالَ سَعْدٌ: «فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللهِ مَا صَنَعَ».
قَالَ أَنَسٌ: «فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ، أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ، وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلاَّ أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ».

قَالَ أَنَسٌ: «كُنَّا نَرَى، أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ (1)».
في تفسير القرطبي (2/ 359): «اختلف العلماء في اقتحام الرجل في الحرب وحمله على العدو وحده؛
فقال القاسم بن مخيمرة والقاسم بن محمد وعبد الملك من علمائنا: «لا بأس أن يحمل الرجل وحده على الجيش العظيم، إذا كان فيه قوة، وكان لله بنية خالصة. فإن لم تكن فيه قوة فذلك من التهلكة». 
وقيل: إذا طلب الشهادة وخلصت النية فليحمل؛ لأن مقصوده واحد منهم، وذلك بين في قوله تعالى: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله}.
وقال ابن خويز منداد: «فأما أن يحمل الرجل على مائة، أو على جملة العسكر، أو جماعة اللصوص والمحاربين والخوارج، فلذلك حالتان: 
إن علم وغلب على ظنه أن سيقتل من حمل عليه وينجو؛ فحسن، 
وكذلك لو علم وغلب على ظنه أن يقتل ولكن سينكى نكاية، أو سيبلى، أو يؤثر أثرًا ينتفع به المسلمون؛ فجائز أيضًا. 
وقد بلغني أن عسكر المسلمين لما لقي الفرس، نفرت خيل المسلمين من الفيلة، فعمد رجل منهم فصنع فيلاً من طين وأنس بن فرسه حتى ألفه، فلما أصبح لم ينفر فرسه من الفيل؛ فحمل على الفيل الذي كان يقدمها، فقيل له: «إنه قاتلك». فقال: «لا ضير أن أقتل ويفتح للمسلمين».
وكذلك يوم اليمامة لما تحصنت بنو حنيفة بالحديقة، قال رجل من المسلمين: «ضعوني في الحجفة وألقوني إليهم، ففعلوا، وقاتلهم وحده، وفتح الباب». 
قلت: ومن هذا ما روي: [أن رجلا قال للنبي -صلى الله عليه و سلم-: «أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابرًا محتسبًا؟». قال: «فلك الجنة»؛ فانغمس في العدو حتى قتل] وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك: [أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما رهقوه، قال: «من يردهم عنا وله الجنة، أو هو رفيقي في الجنة»؛ فتقدم رجل من الأنصار، فقاتل حتى قتل، ثم رهقوه أيضًا؛ فقال: «من يردهم عنا وله الجنة، أو هو رفيقي في الجنة»؛ فتقدم رجل من الأنصار، فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما أنصفنا أصحابنا».] هكذا الرواية: [أنصفنا] بسكون الفاء، [أصحابنا] بفتح الباء، أي: لم ندلهم للقتال حتى قتلوا، وروي بفتح الفاء ورفع الباء، ووجهها أنها ترجع لمن فر عنه من أصحابه، والله أعلم.
وقال محمد بن الحسن: «لو حمل رجل واحد على ألف رجل من المشركين وهو وحده، لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة، أو نكاية في العدو. فإن لم يكن كذلك، فهو مكروه؛ لأنه عرض نفسه للتلف في غير منفعة للمسلمين. فإن كان قصده تجزية المسلمين عليهم حتى يصنعوا مثل صنيعه، فلا يبعد جوازه؛ ولأن فيه منفعة للمسلمين على بعض الوجوه. وإذا كان قصده إرهاب العدو، وليعلم صلابة المسلمين في الدين، فلا يبعد جوازه. وإذا كان فيه نفع للمسلمين؛ فتلفت نفسه لإعزاز دين الله، وتوهين الكفر، فهو المقام الشريف الذي مدح الله به المؤمنين في قوله: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم} الآية، إلى غيرها من آيات المدح التي مدح الله بها من بذل نفسه. وعلى ذلك ينبغي أن يكون حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه متى رجا نفعًا في الدين، فبدل نفسه فيه حتى قتل؛ كان في أعلى درجات الشهداء، قال الله تعالى: {وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور}. وقد روى عكرمة عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه و سلم- أنه قال: «أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل تكلم بكلمة حق عند سلطان جائر فقتله»اهـ.
قال الغزالي -رحمه الله- في إحياء علوم الدين، ومعه تخريج الحافظ العراقي (3/ 329): «لا خلاف في أن المسلم الواحد له أن يهجم على صف الكفار ويقاتل وإن علم أنه يقتل ...، ...، ....، وإذا جاز أن يقاتل الكفار حتى يقتل جاز أيضًا له ذلك في الحسبة؛
ولكن لو علم أنه لا نكاية لهجومه على الكفار، كالأعمى يطرح نفسه على الصف، أو العاجز؛ فذلك حرام، وداخل تحت عموم آية التهلكة.
وإنما جاز له الإقدام إذا علم أنه يقاتل إلى أن يقتل، أو علم أنه يكسر قلوب الكفار بمشاهدتهم جراءته، واعتقادهم في سائر المسلمين قلة المبالاة، وحبهم للشهادة في سبيل الله؛ فتنكسر بذلك شوكتهم، فكذلك يجوز للمحتسب، بل يستحب له أن يعرض نفسه للضرب وللقتل إذا كان لحسبته تأثير في رفع المنكر، أو في كسر جاه الفاسق، أو في تقوية قلوب أهل الدين. وأما إن رأى فاسقًا متغلبًا وعنده سيف وبيده قدح، وعلم أنه لو أنكر عليه؛ لشرب القدح، وضرب رقبته؛ فهذا مما لا أرى للحسبة فيه وجهًا، وهو عين الهلاك؛ فإن المطلوب أن يؤثر في الدين أثرًا، ويفديه بنفسه. فأما تعريض النفس للهلاك من غير أثر، فلا وجه له، بل ينبغي أن يكون حرامًا، وإنما يستحب له الإنكار إذا قدر على إبطال المنكر، أو ظهر لفعله فائدة، وذلك بشرط أن يقتصر المكروه عليه»اهـ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى (28/540): «وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِصَّةَ أَصْحَابِ الأُخْدُودِ، وَفِيهَا أَنَّ الْغُلامَ أَمَرَ بِقَتْلِ نَفْسِهِ؛ لأَجْلِ مَصْلَحَةِ ظُهُورِ الدِّينِ، وَلِهَذَا جَوَّزَ الأَئِمَّةُ الأَرْبَعَةُ أَنْ يَنْغَمِسَ الْمُسْلِمُ فِي صَفِّ الْكُفَّارِ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَهُ، إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ,...، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَفْعَلُ مَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ لأَجْلِ مَصْلَحَةِ الْجِهَادِ مَعَ أَنَّ قَتْلَهُ نَفْسَهُ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِهِ لِغَيْرِهِ؛ كَانَ مَا يُفْضِي إلَى قَتْلِ غَيْرِهِ لأَجْلِ مَصْلَحَةِ الدِّينِ الَّتِي لا تَحْصُلُ إلا بِذَلِكَ، وَدَفْعِ ضَرَرِ الْعَدُوِّ الْمُفْسِدِ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا، الَّذِي لا يَنْدَفِعُ إلا بِذَلِكَ أَوْلَى»اهـ. 


وقال ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري (8/184-185): «وأما مسألة حمل الواحد على العدد الكثير من العدو؛ فصرح الجمهور بأنه:
- إن كان لفرط شجاعته، وظنه أنه يرهب العدو بذلك، أو يجرئ المسلمين عليهم، أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة؛ فهو حسن،
- ومتى كان مجرد تهور؛ فممنوع، ولا سيما إن ترتب على ذلك وهن في المسلمين، والله أعلم»اهـ.