السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الاثنين، 27 أكتوبر 2014

سؤال وجواب ٢٥: تفسير الصحابي للقرآن العظيم كيف يكون في حكم المرفوع؟


سؤال: «تفسير الصحابي للقرآن العظيم كيف يكون في حكم المرفوع؟ 
إن قيل: ألم يختلف الصحابة في تفسير القرآن الكريم، ألا يدخل الرأي والاجتهاد تفسير الصحابة للقرآن العظيم؟».

فالجواب : 

نعم يدخل تفسيرهم الرأي والاجتهاد، ولكنه مبني على ما فهموه عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- من معاني القرآن الكريم، وهذا يجعل لتفسيرهم ميزة، وهو أن المعنى الأصلي، والقاعدة التي ينطلق منها كلام الصحابي في الآية: هي المعنى الذي فهمه من الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

هذا المعنى جعل أهل الحديث يجعلون تفسير الصحابي للقرآن الكريم في حكم المرفوع. 

قال ابنُ أبي حاتم في تقدمة كتاب الجرح والتعديل (١/٧): «فأما أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- فهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل، وعرفوا التفسير والتأويل، وهم الذين اختارهم الله -عز وجل- لصحبه نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-، ونصرته، وإقامة دينه، وإظهار حقه، فرضيهم له صحابةً، وجعلهم لنا أعلامًا وقدوة، فحفظوا عنه -صلى الله عليه وسلم- ما بلَّغهم عن الله عز وجل، وما سنَّ، وشرع، وحكم، وقضى، وندب، وأمر، ونهى، وحظر، وأدَّب، ووعوه وأتقنوه؛ ففقهوا في الدين. وعلموا أمر الله، ونهيه، ومراده: بمعاينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب، وتأويله، وتلقفهم منه، واستنباطهم عنه؛ فشرفهم الله -عز وجل- بما منَّ عليهم وأكرمهم به، من وضعه إياهم موضع القدوة، فنفى عنهم الشكَّ والكذب، والغلط، والريبة، والغمز، وسمَّاهم (عدول الأمَّة)، فقال -عزَّ ذكرُه- في محكم كتابه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}. (البقرة: من الآية: ١٤٣)، ففسَّر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عن الله -عزَّ ذكره- قولَه: {وسطًا}، قال: «عدلًا»؛ فكانوا عدول الأمَّة، وأئمة الهدى، وحجج الدين، ونقلة الكتاب والسنة، وندب الله -عز وجل- إلى التمسك بهديهم، والجري على منهاهجم، والسلوك لسبيلهم، والاقتداء بهم، فقال: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}. (النساء: ١١٥)، ووجدنا النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قد حضَّ على التبليغ عنه في أخبار كثيرة، ووجدناه يخاطب أصحابه فيها، منها أن دعا لهم فقال: «نَضّرَ اللَّهُ امْرَءًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا حَتَّى يُبَلِّغَهَا غَيْرَهُ». وقال -صلى الله عليه وسلم- في خطبته: «فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ». وقال: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلَا حَرَجَ»، ثم تفرَّقت الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- في النواحي، والأمصار، والثغور، وفي فتوح البلدان، والمغازي، والإمارة، والقضاء، والأحكام؛ فبثَّ كل واحد منهم في ناحية، وبالبلد الذي هو به، ما وعاه وحفظه عن رسول -صلى الله عليه وسلم-، وحكموا بحكم الله -عز وجل-، وأمضوا الأمور على ما سنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأفتوا فيما سئلوا عنه مما حضرهم من جواب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نظائرها من المسائل، وجرَّدوا أنفسهم (مع تقدمة حسن النية، والقربة إلى الله -تقدس اسمُه-)؛ لتعليم الناس الفرائض، والأحكام، والسنن، والحلال والحرام، حتى قبضهم الله -عز وجل- رضوان الله، ومغفرته، ورحمته عليهم أجمعين» اهـ. تأمل قوله -رحمه الله-: «وعلموا أمر الله، ونهيه، ومراده، بمعاينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب، وتأويله، وتلقفهم منه، واستنباطهم عنه» اهـ. 


قال ابنُ القيِّم -رحمه الله- في كتابه (أعلام الموقعين، (٤/١٥٣).): «ما تقولون في أقوالهم في تفسير القرآن، هل هي حجَّة يجب المصير إليها؟ قيل: لا ريب أن أقوالهم في التفسير أصوبُ من أقوال مَنْ بعدهم. وقد ذهب بعضُ أهل العلم إلى أن تفسيرهم في حكم المرفوع؛ قال أبو عبد الله الحاكم في (مستدركه): «وتفسيرُ الصحابيِّ عندنا في حكم المرفوع». ومرادُه أنه في حكمه في الاستدلال به والاحتجاج، لا أنه إذا قال الصحابي في الآية قولًا، فلنا أن نقول: هذا القول قولُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وله وجه آخر: وهو أن يكون في حكم المرفوع بمعنى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيَّن لهم معاني القرآن، وفسَّره لهم، كما وصفه تعالى بقوله: {لتبيِّن للناس ما نزل إليهم}، فبيَّن لهم القرآن بيانًا شافيًا كافيًا، وكان إذا أشكل على أحد منهم معنى سأله عنه، فأوضحه له...» اهـ.