السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الاثنين، 27 أكتوبر 2014

كشكول ٦٨: دليل الاستقراء



(دليل الاستقراء) من الأدلة المختلف فيها. 

ومعناه: تتبع جزئيات قضية معينة للخروج بها إلى حكم مسألة. 

وهو نوعان: 

الأول: الاستقراء التام، بتتبع كل الجزئيات إلا صورة محل النزاع؛ لإثبات حكم كلي، فيثبت في محل النزاع، وتعريفه: إثْبَاتُ حُكْمٍ فِي جُزْئِيٍّ لِثُبُوتِهِ فِي الْكُلِّيِّ. فيستدل بتتبع جزئيات الكلي في ثبوت حكم، ليستدل به عَلَى صُورَةِ النِّزَاعِ، وَهُوَ مُفِيدٌ لِلْقَطْعِ. وهو حجة بالاتفاق. 

النَّوْعُ الثَّانِي: اسْتِقْرَاءٌ نَاقِصٌ، بِأَنْ يَكُونَ الاسْتِقْرَاءُ بِأَكْثَرِ الْجُزْئِيَّاتِ؛ لإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْكُلِّيِّ الْمُشْتَرِكِ بَيْنَ جَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ، بِشَرْطِ أَنْ لا تَتَبَيَّنَ الْعِلَّةُ الْمُؤَثِّرَةُ فِي الْحُكْمِ، وَيُسَمَّى هَذَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ (إلْحَاقُ الْفَرْدِ بِالأَعَمِّ الأَغْلَبِ)، فَهُوَ ظَنِّيٌّ. وَيَخْتَلِفُ فِيهِ الظَّنُّ بِاخْتِلافِ الْجُزْئِيَّاتِ. فَكُلَّمَا كَانَ الاسْتِقْرَاءُ فِي أَكْثَرَ كَانَ أَقْوَى ظَنًّا. 

قال في (أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن، (٥/٣١).): 

«تقرر في الأصول: أن الاستقراء من الأدلة الشرعية، 

ونوع الاستقراء المعروف عندهم بـ (الاستقراء التام) حجة بلا خلاف، وهو عند أكثرهم دليل قطعي، 

وأما الاستقراء الذي ليس بتام وهو المعروف عندهم بـ (إلحاق الفرد بالأغلب) فهو حجة ظنية عند جمهورهم. 

والاستقراء التام المذكور هو: أن تتبع الأفراد، فيوجد الحكم في كل صورة منها، ما عدا الصورة التي فيها النزاع، فيعلم أن الصورة المتنازع فيها حكمها حكم الصور الأخرى التي ليست محل نزاع. 

وإذا علمت هذا؛ فاعلم أن الاستقراء التام -أعني تتبع أفراد النسك-، دل على أن كل نسك من حج، أو قران، أو عمرة، غير صورة النزاع (وهي هل مكة ميقات للعمرة لمن فيها) لا بد فيه من الجمع بين الحل والحرم، حتى يكون صاحب النسك زائراً قادماً على البيت من خارج، كما قال تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالاً وعلى كُلِّ ضَامِرٍ}. (الحج: ٢٧) الآية. 

فالمحرم بالحج، أو القران من مكة لا بد أن يخرج إلى عرفات: وهي في الحل، والآفاقيون يأتون من الحل لحجهم وعمرتهم، فجميع صور النسك غير صورة النزاع، لا بد فيها من الجمع بين الحل والحرم؛ فيعلم بالاستقراء التام أن صورة النزاع لا بد فيها من الجمع أيضاً بين الحل والحرم» اهـ.

فلابد على أهل مكة ومن كان فيها إذا أراد العمرة أن يخرج إلى أدنى الحل؛ وأدنى الحل من جهة الشمال التنعيم. وأدنى الحل من جهة الجنوب الحسينية. ومن جهة الشرق عرفة. ومن جهة الغرب الشميسي (الحديبية). 

مثال آخر: أن يقال: إن قول العامي ليس بمؤثر في الإجماع، والعبرة فيه بالعلماء، فإنَّ أَهْلَ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ مِنَ الصَّحَابَةِ عُلَمَاؤُهُمْ وَعَوَامُّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِمُوَافَقَةِ الْعَامِّيِّ وَلَا بِمُخَالَفَتِهِ. 

فإن قيل: «أَنَّهُ دَعْوَى لَمْ يَقُمْ عَلَيْهَا دَلِيلٌ!».

فالجواب: دليل ذلك الاستقراء، فلا نعلم أن الخلفاء والعلماء من الصحابة استدعوا عامياً لأخذ رأيه في مسألة. وقصتهم مع ابن عباس لمّا أدخله عمر في أهل بدر مشهورة، وهي قاضية بأنه ما كانوا يرضون أخذ رأي إلا من عرف بالعلم وتميز فيه! 


مثال آخر: أن يقال: «استقراء الشريعة وأدلتها يدل على اعْتِبَار المآلات في الحكم».