السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الثلاثاء، 23 يونيو 2015

كشكول ٩٩١: أيهما افضل كثرة القراءة، أم قلة القراءة مع التدبر؟


جاءني على ماسنجر الفيس...
أيهما افضل كثرة القراءة، أم قلة القراءة مع التدبر؟
قال ابن القيم -رحمه الله-:
«اختلف الناس في الأفضل من الترتيل وقلة القراءة، أو السرعة مع كثرة القراءة، أيهما أفضل؟ على قولين:
- فذهب ابن مسعود وابن عباس -رضي الله عنهما- وغيرهما إلى أن الترتيل والتدبر مع قلة القراءة أفضل من سرعة القراءة مع كثرتها.
واحتج أرباب هذا القول؛
بأن المقصود من القراءة فهمه، وتدبره، والفقه فيه، والعمل به، وتلاوته وحفظه وسيلة إلى معانيه، كما قال بعض السلف: نزل القرآن ليعمل به؛ فاتخذوا تلاوته عملاً. ولهذا كان أهل القرآن هم العالمون به، والعاملون بما فيه، وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب. وأما من حفظه ولم يفهمه ولم يعمل بما فيه فليس من أهله، وإن أقام حروفه إقامة السهم.
قالوا : ولأن الإيمان أفضل الأعمال، وفهم القرآن وتدبره هو الذي يثمر الإيمان، وأما مجرد التلاوة من غير فهم ولا تدبر فيفعلها البر والفاجر والمؤمن والمنافق، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ومثل المنافق الذي يقرأ القران كمثل الريحانة: ريحها طيب، وطعمها مر».
والناس في هذا أربع طبقات:
أهل القرآن والإيمان، وهم أفضل الناس.
والثانية: من عدم القرآن والإيمان.
الثالثة: من أوتي قرآنًا ولم يؤت إيمانًا.
الرابعة: من أوتي إيمانًا ولم يؤت قرآنًا.
قالوا : فكما أن من أوتي إيمانًا بلا قرآن أفضل ممن أوتي قرآنًا بلا إيمان، فكذلك من أوتي تدبرًا وفهمًا في التلاوة أفضل ممن أوتي كثرة قراءة وسرعتها بلا تدبر.
قالوا: وهذا هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنه كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها، وقام بآية حتى الصباح.
- وقال أصحاب الشافعي -رحمه الله-: كثرة القراءة أفضل. واحتجوا بحديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف». (رواه الترمذي وصححه).
قالوا: ولأن عثمان بن عفان قرأ القرآن في ركعة، وذكروا آثارًا عن كثير من السلف في كثرة القراءة.
والصواب في المسألة أن يقال:
إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع قدرًا، وثواب كثرة القراءة أكثر عددًا:
فالأول: كمن تصدق بجوهرة عظيمة، أو أعتق عبدًا قيمته نفيسة جدًا.
والثاني: كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم، أو أعتق عددًا من العبيد قيمتهم رخيصة.
وفي (صحيح البخاري) عن قتادة قال: سألت أنسًا عن قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «كان يمد مدًا».
وقال شعبة: حدثنا أبو جمرة، قال: قلت لابن عباس: «إني رجل سريع القراءة، وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين». فقال ابن عباس: «لأن أقرأ سورة واحدة أعجب إلي من أن أفعل ذلك الذي تفعل. فإن كنت فاعلاً ولا بد؛ فاقرأ قراءة تسمع أذنيك، ويعيها قلبك».
وقال إبراهيم: قرأ علقمة على ابن مسعود -وكان حسن الصوت- فقال: «رتل فداك أبي وأمي؛ فإنه زين القرآن».
وقال ابن مسعود: «لا تهذُّوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة».
والهذّ: سرعة القراءة. والدَّقَل: رديء التمر.
وقال عبد الله أيضًا: «إذا سمعت الله يقول: {يأيها الذين آمنوا} فأصغ لها سمعك، فإنه خير تؤمر به، أو شر تصرف عنه»اهـ.
(زاد المعاد: (١/ ٣٣٧-٣٤٠).).