السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الأربعاء، 4 مايو 2016

كشكول ١٢٧٠: مراعاة مسلك العرب فيما تريده من صيغ كلامها وخطابها


مراعاة مسلك العرب فيما تريده من صيغ كلامها وخطابها
تورد كتب الأصول بابا فيه (دلالات الألفاظ).
ويوردون أصول الأدلة المتفق عليها: 
الكتاب 
والسنة 
والإجماع 
والقياس. 
ويوردون أدلة أخرى مختلف عليها عندهم وهي: 
قول الصحابي.
والاستصحاب.
والمصلحة المرسلة.
وشرع من قبلنا.
والاستحسان.
والأخذ بأقل ما قيل.
وعمل أهل المدينة.
وسد الذرائع.
والعرف.
ويلحظ الناظر في كلامهم في مسائل الأصول، أنهم يستدلون بدليل آخر خارج عن هذه الأدلة؛ 
فمثلاً يقررون أن الأمر على الفور ، بأن يقولوا من ضمن الأدلة في ذلك: أن السيد لو أمر عبده بأن يحضر كأس ماء ، ولم يأته به فوراً لاستحق اللوم والتأديب.
ويقررون نحو هذا الاستدلال في مسائل عديدة؛ و يرجع هذا الاستدلال إلى إعمال أحوال العرب في دلالات الصيغ؛ وهذا دليل خارج عن ما تقدّم إلا إذا قلنا ندخله في (العرف)، وفيه بعد من جهات منها أن هذا ليس هو المراد بالعرف عندهم، ومنها أن دليل العرف مختلف فيه عندهم فكيف يستعملونه في استدلالهم؟!
ومراعاة أحوال العرب في استعمالهم لصيغ الكلام من أمر ونهي ونحوه مما تتابع أهل الأصول على الاستدلال به، وهو يحتاج إلى وقفة معتبرة لإبرازه.
وقد لاحظت أن أئمة التفسير وأئمة الحديث يستعملونه في تفسير القرآن العظيم وشرح الحديث النبوي.
وهذا الأمر قاعدة الاستدلال والاستنباط وفهم الشريعة من مصدريها الأصليين: القرآن والسنة.
قال "الشافعي رحمه الله في الرسالة (ص51 – 53): "فإنما خاطب الله بكتابه العربَ بلسانها، على ما تَعْرِف مِن معانيها، وكان مما تعرف من معانيها: اتساعُ لسانها، وأنَّ فِطْرَتَه أنْ يخاطِبَ بالشيء منه عامًّا، ظاهِرًا، يُراد به العام، الظاهر، ويُسْتغنى بأوَّل هذا منه عن آخِرِه. وعاماً ظاهراً يراد به العام، ويَدْخُلُه الخاصُّ، فيُسْتَدلُّ على هذا ببَعْض ما خوطِبَ به فيه؛ وعاماً ظاهراً، يُراد به الخاص. وظاهراً يُعْرَف في سِياقه أنَّه يُراد به غيرُ ظاهره. فكلُّ هذا موجود عِلْمُه في أول الكلام، أوْ وَسَطِهِ، أو آخِرَه.
وتَبْتَدِئ الشيءَ من كلامها يُبَيِّنُ أوَّلُ لفظها فيه عن آخره. وتبتدئ الشيء يبين آخر لفظِها منه عن أوَّلِهِ.
وتكلَّمُ بالشيء تُعَرِّفُه بالمعنى، دون الإيضاح باللفظ، كما تعرِّف الإشارةُ، ثم يكون هذا عندها من أعلى كلامها، لانفراد أهل علمها به، دون أهل جَهَالتها.
وتسمِّي الشيءَ الواحد بالأسماء الكثيرة، وتُسمي بالاسم الواحد المعانيَ الكثيرة.
وكانت هذه الوجوه التي وصفْتُ اجتماعَها في معرفة أهل العلم منها به - وإن اختلفت أسباب معرفتها -: مَعْرِفةً واضحة عندها، ومستَنكَراً عند غيرها، ممن جَهِل هذا من لسانها، وبلسانها نزل الكتابُ، وجاءت السنة، فتكلَّف القولَ في علمِها تكلُّفَ ما يَجْهَلُ بعضَه.
ومن تكَلَّفَ ما جهِل، وما لم تُثْبِتْه معرفته: كانت موافقته للصواب - إنْ وافقه من حيث لا يعرفه - غيرَ مَحْمُودة، والله أعلم؛ وكان بِخَطَئِه غيرَ مَعذورٍ، وإذا ما نطق فيما لا يحيط علمه بالفرق بيْن الخطأ والصواب فيه"اهـ.
وأشار الشاطبي رحمه الله إلى ذلك ، مع ملاحظة أني لا أقصد (دلالات الألفاظ) إنما أقصد مراعاة عرف العرب وعاداتهم في استعمال اللغة وصيغها، ومقامات الدلالة في ذلك، التي يستعملها الأصوليون دليلاً في تقرير مسائلهم ؛
قال الشاطبي رحمه الله، في الموافقات (1/ 39): "إنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ لَيْسَ فيه من طرائق كلام الْعَجَمِ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ السُّنَّةُ.
وَأَنَّ الْقُرْآنَ عَرَبِيٌّ، وَالسُّنَّةُ عَرَبِيَّةٌ, لَا بِمَعْنَى أَنَّ الْقُرْآنَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَلْفَاظٍ أَعْجَمِيَّةٍ فِي الْأَصْلِ أَوْ لَا يَشْتَمِلُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ عِلْمِ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ، بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهُ فِي أَلْفَاظِهِ وَمَعَانِيهِ وَأَسَالِيبِهِ عَرَبِيٌّ, بِحَيْثُ إِذَا حُقِّقَ هَذَا التَّحْقِيقَ سُلِكَ بِهِ فِي الِاسْتِنْبَاطِ مِنْهُ وَالِاسْتِدْلَالِ بِهِ مَسْلَكَ كَلَامِ الْعَرَبِ فِي تَقْرِيرِ مَعَانِيهَا وَمَنَازِعِهَا فِي أنواع مخاطباتها خاصة؛ فإن كثيراً مِنَ النَّاسِ يَأْخُذُونَ أَدِلَّةَ الْقُرْآنِ بِحَسَبِ مَا يُعْطِيهِ الْعَقْلُ فِيهَا، لَا بِحَسَبِ مَا يُفهم مِنْ طَرِيقِ الْوَضْعِ، وَفِي ذَلِكَ فَسَادٌ كَبِيرٌ وَخُرُوجٌ عَنْ مَقْصُودِ الشَّارِعِ"اهـ
فلابد من مراعاة عَادَةِ الْعَرَبِ فِي مُخَاطَبَاتِهَا وَمَعْهُودِ كَلَامِهَا. الموافقات (5/ 418).
وهذا الوجه من الاستدلال يستحق أن يبرز ويعتنى به، ولابن جني في (الخصائص)وابن فارس في (الصاحبي) شأو كبير فيه!

والله الموفق.