السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الجمعة، 24 أكتوبر 2014

قال وقلت ٢٠: الجهاد بالدعوة والحجة والبرهان من الجهاد الكبير


قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاتزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال». (رواه أبو داود وإسناد صحيح)».

قلت: أخرج البخاري تحت رقم (٣٦٤٠)، ومسلم (١٩٢١) عن المُغِيرَة بْن شُعْبَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: «لاَ يَزَالُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ». 

ومعنى ذلك: أن الله جل وعلا يجعل أهل الحق والسنة ظاهرين في حال قوة المسلمين بالسيف والسنان، وفي حال ضعف المسلمين بالحجة والبرهان.

فهم ظاهرون على من يخالفهم في الحالين؛ إما بالسيف والسنان، وإما بالحجة والبرهان.

وليس معنى ذلك أنه لابد من ظهورهم بالسيف والجهاد بالقتال في كل وقت.

فإن قيل: جاء في الحديث النص على أنهم يقاتلون، فأخرج مسلم تحت رقم (١٥٦) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، قَالَ: «فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ».

فالجواب: إنما نص على القتال؛ لأنه أوضح صور الظهور، لا لأنه ظهورهم في كل وقت به، ولأن القتال قد يكون حقيقي بالسيف والسنان، وقد يكون معنويًا بالحجة والبرهان، 

وقد بوب البخاري -رحمه الله- في (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة) بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ يُقَاتِلُونَ»، فقال: «وَهُمْ أَهْلُ العِلْمِ».

وقال أحمد: «إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم».

وهذا يدل على أن السلف لم يفهموا من الحديث أن المراد أن ظهورهم بالجهاد القتالي في كل وقت، فإن الجهاد بالدعوة والحجة والبرهان من الجهاد الكبير. قال تبارك وتعالى: {فَلَا تُطِعِ الكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}. (الفرقان: ٥٢).

ويدل على ذلك تأمل روايات الحديث فقد أخرج البخاري تحت رقم (٣١١٦)، ومسلم تحت رقم (١٠٣٧) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ هَانِئٍ، حَدَّثَهُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ، عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ».


وكذا في حديث المغيرة -رضي الله عنه-، وكذا في حديث ثوبان -رضي الله عنه- لم يذكر «يقاتلون» مما يدل على أنه ليس المراد أن ظهورهم دائماً بالقتال بالسيف والسنان، إنما هو من أوضح صور الظهور، والله الموفق.