السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الأحد، 14 ديسمبر 2014

كشكول ٣٢٧: الجبل



كان الجبل عالياً في السماء، يقف شامخًا عن سهول الأرض حوله. فهو الجبل الأشم العالية قمته لا تصل إليها سهول الأرض. 

وفجأة مرت سحابة أحاطت قمته العالية فما عاد يرى شيئاً حوله. اختفى كل شيء إلا هذه السحابة. في أول الأمر ظن نفسه أنه قد رأى الحقيقة بنصوعها وبياضها؛ فهدأ روعه وسكنت نفسه.

لم يعد يرى شيئًا حوله، حقيقة إلا هذا البياض الذي ملأ سماء قمته. أياماً ظل على هذه الحال. حتى مرت ريح عاصفة باردة؛ فدفعت السحابة عنه؛ فعادت له الرؤية كما كانت. لكن للأسف ملأت شعفته ندف الثلج الأبيض؛ فما عاد أخضراً كما كان، بل صار الثلج يملأ كل مكان، ونزف الثلج ماء، وجرى الماء في سفحه شريانًا، وحفر الأخاديد على وجه الجبل، وتدحرجت الصخور القوية التي كانت تشكل هيكله الضخم.

وشعر الجبل أنه تضاءل، فما عاد ذلك الجبل الكبير الضخم، 

سمع ثغاء الغنم والوعول تجري على أكتافه.

سكنت تلك الصغار الحفر التي حفرها الماء، وما حفرته الريح في صدره من كهوف وتجاويف. حزن الجبل... وبكى أياماً طويلة على ما صار إليه حاله... ماذا يصنع؟ كيف يستعيد أمجاده التي كانت؟ كيف يعود كما كان عالياً شامخاً قوياً؟ وأثناء تفكيره وحزنه، 


سمع عواء يتردد على جنباته، فأصغى إلى صوت الذئب إذ عوى؛ فتنبه إلى أنه لا يعيش بمفرده في هذا الكون، وأن المكان يسع الجميع، وأنه مهما علا وارتفع فلا بد يوماً أن يقع؛ فأصدر صوتاً حملته الرياح التي مرت على أخاديده وكهوفه... كان صوت الجبل يفتخر بأنه لا يزال رغم ضعفه جبلاً تسكنه الذئاب مع الوعول، وتتدحرج منه الصخور والرمال، وتجرف مياهه ما حوله، فلا زال مؤثراً على ما حوله، رغم من استباح حماه ووطأ على أرضه وعلاه.