السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

السبت، 24 يناير 2015

كشكول ٦٢٥: البيعة



البيعة:
عهد على السمع والطاعة، في المنشط والمكره في طاعة الله، لمن تأمر على المسلمين في الجهة التي يكون فيها.
وحفظ العهد واجب، قال -تبارك وتعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}. (الفتح: 10).
وأخرج مسلم في صحيحه (حديث رقم: 1851) عَنْ عَبْد اللَّه بْنُ عُمَرَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».».
ولا يشترط في الإمام الذي يبايع أن يكون إماماً عاماً لجميع المسلمين في جميع الدنيا، بل كل إمام استقل بولايته وجبت بيعته على المسلمين في جهته.
قال أحمد بن حنبل (ت241هـ) -رحمه الله-، كما في أصول السنة رواية عبدوس، (ص:64): «والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر، ومن ولي الخلافة واجتمع الناس عليه ورضوا به، ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين»اهـ.
وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (34 / 175 ، 176): «والسُّنّة أن يكون للمسلمين إمام واحد، والباقون نوّابه، فإذا فرض أن الأئمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها، وعجز من الباقين، أو غير ذلك، فكان لها عدة أئمة، لكان يجب على كل حال إمام أن يقيم الحدود، ويستوفي الحقوق»اهـ. 
وقـال الإمام محمد بن عبد الوهاب كما في الدرر السنية (9/5): «الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان، له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا؛ لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد، ولا يعرفون أحداً من العلماء ذكر أن شيئاً من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم»اهـ. 
وقال الشوكاني في السيل الجرار (4/502): «لما اتسعت أقطار الإسلام، ووقع الاختلاف بين أهله، واستولى على كل قطر من الأقطار سلطان؛ اتفق أهله على أنه إذا مات بادروا بنصب من يقوم مقامه. وهذا معلوم لا يخالف فيه أحد، بل هو إجماع المسلمين أجمعين منذ قبض رسول الله إلى هذه الغاية»اهـ، وانظر السيل الجرار (4/512).
ويكفي في عقد البيعة للإمام بيعة جمهور أهل الحل والعقد.
ولا يشترط في البيعة أن تكون من كل فرد في الولاية، فإن عمل الخلفاء الراشدين والسلف الصالح جرى على هذا، حيث اكتفوا ببيعة أهل الحل والعقد لولي الأمر.
ومن صيغ البيعة التي بايع الصحابة عليها النبي ما جاء فيما أخرجه البخاري (تحت رقم: 7056)، ومسلم (تحت رقم: (1709)، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: «دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ قُلْنَا: «أَصْلَحَكَ اللَّهُ حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-». قَالَ: «دَعَانَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا: عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ».
والبيعة التزام بالطاعة في طاعة الله، فإنه لا طاعة في معصية الخالق.
وأخرج مسلم (تحت رقم: 1844) عن عبدالله بن عمرو بن العاص عن رسول الله: «وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ».
هذا، والحمد لله على اجتماع الكلمة ووحدة الصف.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها مآلنا، وأجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.
وصل اللهم على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه:
أ.د محمد بن عمر بن سالم بازمول.