إذا قتل رجل الأمن والجيش أثناء تأدية عمله فترجى له الشهادة... فهم يدخلون في حديث: «من مات دون نفسه فهو شهيد»، «من مات دون عرضه فهو شهيد»، «من مات دون ماله فهو شهيد».
قال ابن عبدالبر في الاستذكار (5/ 97):
«وَذُكِرَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ».
قَالَ أَبُو عُمَرَ:
فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضْلُ الْغَزْوِ، وَالثُّبُوتِ عِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ.
وَقَوْلُهُ: «لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ». مَعْنَاهُ: لَا يُجْرَحُ. وَالْكُلُومُ: الْجِرَاحُ عِنْدَ الْعَرَبِ.
قَوْلُهُ «يَثْعَبُ دَمًا». فمعناه: يَتَفَجَّرُ دَمًا.
وَقَوْلُهُ: «فِي سَبِيلِ اللَّهِ». فَمَعْنَاهُ: الْجِهَادُ، وَمُلَاقَاةُ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنَ الْكُفَّارِ.
عَلَى هَذَا خُرِّجَ الْحَدِيثُ.
وَيَدْخُلُ فِيهِ بِالْمَعْنَى: كُلُّ مَنْ جُرِحَ فِي سَبِيلِ بِرٍّ وَحَقٍّ مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ، كَقِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَالْخَوَارِجِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاللُّصُوصِ، وَالْمُحَارِبِينَ، أَوْ آمِرٍ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَاهٍ عَنْ مُنْكَرٍ.
إَلَا تَرَى قَوْلَهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ».
وَأَمَّا قَوْلُهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: «وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ في سبيله». فإنه يدل على أنه لَيْسَ كُلُّ مَنْ خَرَجَ فِي الْغَزْوِ تَكُونُ هَذِهِ حَالَهُ حَتَّى:
تَصِحَّ لَهُ نِيَّةٌ،
وَيَعْلَمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَلْبِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ وَجْهَهُ وَمَرْضَاتَهُ،
وَلَمْ يَخْرُجْ رِيَاءً،
وَلَا مُبَاهَاةً،
وَلَا سُمْعَةً،
وَلَا فَخْرًا،
وَلَا ابْتِغَاءَ دُنْيَا يَقْصِدُهَا.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّهِيدَ يُبْعَثُ عَلَى حَالِهِ الَّتِي قُبِضَ عَلَيْهَا، وَهَيْئَتِهِ بدليل هذا الحديث»اهـ.