السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الخميس، 26 فبراير 2015

سؤال وجواب ١١٦: خروج الشابات إلى ما يزعمون أنه جهاد وهجرة



سؤال: 
«سائلة من هولندا تقول: ظهر مؤخرًا بين أوساط الشباب مسألة الدعوة إلى الخروج إلى سوريا للجهاد. فمن ضمن الخارجين شابات في عمر خمس عشر، ست عشر، سبعة عشر سنة. ويخرجن سرًا دون علم الآباء. فإن حصل السؤال لم يخرج هؤلاء الصغار إلى سوريا، يقولون: هي هجرة واجبة، ويدعون أنهم استحوذوا على منطقة حلب، ويقيمون بها شرع الله، فما نصيحتكم لهؤلاء فيما يزعمون؟».

الجواب:
نصيحتي اتجاه هذا الذي يزعمون؛
- أن يتقوا الله سبحانه و تعالى.
- وأن يرجعوا إلى أهل العلم في هذا الباب؛ لأن أهل العلم بينوا: أن لا جهاد شرعي قائم في سوريا، فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين أن الجهاد الشرعي لابد فيه من عدة شروط منها:
الشرط الأول: أن يكون مع الإمام. قال -صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه مسلم في صحيحه: «الإمام جنة يتقى به، يقاتل من ورائه». فهؤلاء الذين يخرجون إلى سوريا للقتال لا يخرجون بإذن الإمام، وينشقون عن جماعة المسلمين، ويحدثون بخروجهم هذا العديد من المشاكل التي تجر على الإسلام وعلى المسلمين المشاكل؛ فخروج من ذكر في السؤال مخالف لهذا الشرط.
الشرط الثاني من شروط الجهاد الشرعي: أن يكون تحت راية ظاهرة لإعلاء كلمة الله؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- يقول في الحديث الصحيح: «من قاتل تحت راية عمية فقتل مات ميتة جاهلية». ومعلوم أن الجهاد في سوريا ليس فيه راية ظاهرة لإعلاء كلمة الله، هناك نصارى يقاتلون، هناك علمانيون يقاتلون، هناك قوميون يقاتلون، وهناك من يدعي الإسلام من التكفيريين يقاتلون، وهناك أصحاب أفكار وضلالات يقاتلون. فهؤلاء كلهم القتال تحت رايتهم ليس بقتال تحت راية ظاهرة لإعلاء كلمة الله. ولو قال أحد هؤلاء: نحن نقاتل لإعلاء كلمة الله! فالجواب: إعلاء كلمة الله بالصفة الشرعية لابد أن يكون من وراء إمام شرعي، وأنتم ليس لكم إمام شرعي تقاتلون من ورائه. فإن قالوا: نحن عندنا أمير أمرناه على الجماعة فهو إمامنا الشرعي! فيقال: أنتم تغالطون؛ إذ لا يقال عن هذا الأمير الذي تؤمرونه أنه هو الإمام الشرعي الذي انضوت تحته جماعة المسلمين، لمجرد أنكم أمرتوه عليكم، الأمير والإمام هو أمير جماعة المسلمين، وهو المراد في الأحاديث.
الشرط الثالث: أن يتم إعداد العدة للجهاد؛ فإن الله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}. (الأنفال: 60). فأي إعداد شرعي، وأي إعداد للقتال أعده هؤلاء الذين يذهبون للقتال في تلك الأماكن؟! لا يعرفون حمل السلاح. ولا يعرفون الخطط القتالية. ولا يعرفون ما يتعلق بأمور الجهاد والضرب في الأرض. ولا يعرفون طبيعة الأرض التي يريدون القتال فيها. كل هذا الأمر لا يعرفونه. فأي إعداد ذهبوا به للقتال في تلك الأماكن؟! لا شك بأنهم بمخالفتهم لهذه الشروط قد عملوا عملاً لم يأت به شرع الله، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد». فعملهم هذا مردود عليهم. ولا ينفعهم أن يقولوا: إن نيتنا هي القتال في سبيل الله، وإعلاء كلمة الله؛ لأن النية الصالحة إذا لم تكن مقترنة بعمل موافق لشرع الله لا تنفع صاحبها، فإن العمل لا يقبل حتى يكون خالصًا لله ويكون متابعًا لشرع الله الذي جاء به رسوله -صلى الله عليه و سلم-، ولذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».
الشرط الرابع: أن الرسول -صلى الله عليه و سلم- كان يرد الصغار عن القتال من الرجال؛ لأنهم لم يبلغوا السن، كما رد عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- لما أراد أن يقاتل في أحد، ورد غيره من شباب الصحابة لما أرادوا أن يقاتلوا وهم ذكور، فما بالك بالصغيرات من النساء. لا شك أن الحكم في حقهن أوكد؛ لأنه لا ينبغي لهن أن يخرجن للقتال أصلاً، إذ لا جهاد على النساء، إنما جهادهن الحج.
ثم ما ذكر في السؤال من أنهم يقولون: إننا نخرج للقتال؛ لأن هذا من باب الهجرة، والهجرة علينا واجبة.
أقول: الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام تدور بين الوجوب والاستحباب؛ 
فهي واجبة على من قدر عليها، وخشي إن بقي في بلاد الكفر على دينه، ولم يستطع أن يظهر دينه. 
وهي مستحبة في حق من قدر على إظهار دينه، ولا يخشى الفتنة على نفسه في البقاء في بلاد الكفر. وفي هذه الحالة نقول له: أنت يستحب لك أن تهاجر من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام. 
وفي الحالة الأولى نقول: يجب عليك الهجرة من هذه البلد التي لا تستطيع إظهار الدين فيها، ولا تأمن على نفسك وعلى دينك الوقوع في الفتنة؛ لأنك تقدر على الخروج والهجرة منها. 
والهجرة انتقال من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام.
والسؤال: هل الوضع الآن في سوريا يجعلها بلاد إسلام؟ الواضح والمؤكد أن الدولة هناك تتبنى المذهب النصيري أو تتبنى المذهب الجعفري، وهي بالتالي تتبنى مذاهب حكم عليها أهل العلم بأنها مذاهب كفرية، وهي تحارب الإسلام وتحارب المسلمين. ولعلكم تسمعون عن الفظائع الكثيرة التي تلحق الإسلام والمسلمين في تلك البلاد. فكيف يكون الذهاب إليها للقتال هو من باب تحقيق الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام؟! بل واليوم داعش دولة الفتنة والضلالة والعداء والتوحش، لاشك أن هذا أمر غريب. يثير العجب. ولا حول ولا قوة إلا بالله. إنا لله وإنا إليه راجعون.
فالواجب على هؤلاء الفتيات، والشباب، وغيرهم:
- أن لا يفعلوا مثل هذه الأمور. 
- وأن ينتبهوا إلى أن لا يضيع عمرهم عليهم هدر، وأن تضيع حياتهم عليهم هدر، ويقعوا في معصية ومخالفة الشرع في صورة أنهم يريدون أن يفعلوا الطاعة، وأن يوافقوا الشرع؛ فإن هذا من خدع الشيطان، وخدع أهل الضلال. 

نسأل الله أن يحمينا وإياكم من كل سوء. والله أعلم. وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.