السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الخميس، 26 فبراير 2015

قال وقلت ٧٢: القسم الثاني من محاورة مع طالب حق



القسم الثاني من محاورة مع طالب حق.

قال لي: «العهد والميثاق بالدخول في ميثاق الأمم المتحدة باطل؛ لأنه صلح يعطل الجهاد ويبطله».

فقلت له:
أولاً: الذي قرره الفقهاء -رحمهم الله- في الصلح من جهة المدة أنه على ثلاث أحوال:
الحال الأولى: الصلح المقيد المحدد بزمان، كما حصل مع الرسول لما صالح كفار قريش لمدة عشر سنوات.
الحال الثانية: الصلح المطلق، الذي لا يحدد فيه زمان، لكنه ليس على التأبيد، مثل ما حصل من الرسول لما صالح اليهود في خيبر، على أن نقرهم فيها على ما نشاء. وهو ما جاء عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: «أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا، وَكَانَتْ الْأَرْضُ حِينَ ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ، وَأَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا، فَسَأَلَتْ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ لِيُقِرَّهُمْ بِهَا أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ: «نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا». فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلَاهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاءَ». (أخرجه البخاري في كتاب المزارعة، باب إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله، حديث رقم: (2338).
الحال الثالثة: الصلح المؤبد، الذي ينص فيه على أن الصلح على التأبيد. والصلح في الحال الثالث باطل لا يجوز؛ لأن الأصل: أن على المسلمين جهاد الدعوة والطلب في حال قوتهم وقدرتهم، فلا يصالح الكافر في ذلك الحال، إنما يدعى للإسلام فإن امتنع فعليه الجزية، فإن امتنع قوتل.
قال ابن تيمية (ت728هـ) -رحمه الله- (الاختيارات الفقهية ص: 315): «ويجوز عقدها (أي الهدنة) مطلقاً ومؤقتاً. والمؤقت لازم من الطرفين يجب الوفاء به، مالم ينقضه العدو، ولا ينقض بمجرد خوف الخيانة في أظهر قولي العلماء. وأمّا المطلق فهو عقد جائز يعمل الإمام فيه بالمصلحة»اهـ.
ثانياً: الصلح الحاصل في هيئة الأمم المتحدة صلح مطلق، لم يحدد فيه زمن، فهو صلح جائز، يعقده ولي أمر المسلمين بحسب ما يترجح لديه من المصلحة.
قال عبد العزيز بن عبدالله بن باز (ت1420هـ) -رحمه الله تعالى- (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز (8/212-213)): «تجوز الهدنة مع الأعداء مطلقة ومؤقتة إذا رأى ولي الأمر المصلحة في ذلك؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. (الأنفال: 61)، ولأن النبي فعلهما جميعاً، كما صالح أهل مكة على ترك الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض، وصالح كثيراً من قبائل العرب صلحاً مطلقاً، فلما فتح الله عليه مكة نبذ إليهم عهودهم، وأجّل من لا عهد له أربعة أشهر، كما في قول الله سبحانه: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ}. (التوبة: 1-2)، وبعث المنادين بذلك عام تسع من الهجرة بعد الفتح مع الصديق لما حج؛ ولأن الحاجة والمصلحة الإسلامية تدعو إلى الهدنة المطلقة، ثم قطعها عند زوال الحاجة، كما فعل ذلك النبي، وقد بسط العلامة ابن القيم -رحمه الله- القول في ذلك في كتابه (أحكام أهل الذمة)، واختار ذلك شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية، وجماعة من أهل العلم، والله ولي التوفيق»اهـ.
وبهذا تعلم صحة عقد الصلح المنعقد مع هيئة الأمم المتحدة، والله أمرنا بالوفاء بالعقود وحفظها. والله أعلم.

قال لي: «طيب الآن كل يوم بنكتشف خططاً ومؤمرات ضد البلاد المسلمة من أمريكا وأوروبا وروسيا وما خبر داعش عنك ببعيد!».

قلت: هذه حكم فيها الله -تبارك وتعالى-: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ}. (الأنفال: 58). فبينت هذه الآية أموراً:
الأمر الأول: أن العهد والميثاق قائم لا ينتقض بمجرد حصول ما يخاف منهم من الخيانة.
الأمر الثاني: أن الدولة المسلمة إذا بينها وبين دولة أو دول كافرة عهد وميثاق، وخافت منهم خيانة وشعرت بتحركات لهم، ليس لها أن تنقض العهد من جهتها بدون إعلام وإشعار للدول أو الدولة المعاهدة لها، بل عليها أن تطرح ميثاقهم وتعلمهم بذلك علمًا يستوي فيه الجميع بمعرفة ما حصل.
وبالرجوع إلى النصوص الأخرى فإنه في حال كون الدولة المسلمة لا يمكنها أن تنبذ العهد والميثاق؛ لضعفها وعدم قدرتها على المواجهة؛ فليس لها إلا الصبر حتى يحدث الله أمراً.
والله أعلم وأحكم.