السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الاثنين، 16 فبراير 2015

كشكول ٧٤٤: مثال للدنيا ولأهلها في اشتغالهم بنعيمها عن الآخرة، وما يعقبهم من الحسرات



مثال للدنيا ولأهلها في اشتغالهم بنعيمها عن الآخرة، وما يعقبهم من الحسرات.

قال ابن قيم الجوزية في كتابه عدة الصابرين (ص: 195-196): «مثل أهلها في غفلتهم مثل قوم ركبوا سفينة، فانتهت بهم إلى جزيرة، فأمرهم الملاح بالخروج لقضاء الحاجة، وحذرهم الإبطاء، وخوفهم مرور السفينة.
فتفرقوا في نواحي الجزيرة.
فقضى بعضهم حاجته، وبادر إلى السفينة، فصادف المكان خاليًا؛ فأخذ أوسع الأماكن وألينها وأوفقها لمراده.
ووقف بعضهم في الجزيرة ينظر إلى أزهارها وأنوارها العجيبة، ويسمع نغمات طيورها، ويعجبه حسن أحجارها، ثم حدثته نفسه بفوت السفينة، وسرعة مرورها، وخطر ذهابها؛ فلم يصادف إلا مكانًا ضيقًا فجلس فيه.
وأكب بعضهم على تلك الحجارة المستحسنة والأزهار الفائقة فحمل منها حمله فلما جاء لم يجد في السفينة إلا مكانًا ضعيفًا، وزاده حمله ضيقًا؛ فصار محمولة ثقلاً عليه، ووبالاً، ولم يقدر على نبذه، بل لم يجد من حمله بدًا، ولم يجد له في السفينة موضعًا؛ فحمله على عاتقه، وندم على أخذه، فلم تنفعه الندامة، ثم ذبلت الأزهار، وتغيرت اراييجها، وآذاه نتنها.
وتولج بعضهم في تلك الغياض، ونسى السفينة، وأبعد في نزهته، حتى أن الملاح نادى بالناس عند دفع السفينة فلم يبلغه صوته؛ لاشتغاله بملاهيه، فهو تارة يتناول من الثمر، وتارة يشم تلك الأنوار، وتارة يعجب من حسن الأشجار، وهو على ذلك خائف من سبع يخرج عليه غير منفك من شوك يتشبث في ثيابه ويدخل في قدميه، أو غصن يجرح بدنه، أو عوسج يخرق ثيابه ويهتك عورته، أو صوت هائل يفزعه.
ثم من هؤلاء من لحق السفينة ولم يبق فيها موضع؛ فمات على الساحل.
ومنهم من شغله لهوه؛ فافترسته السباع، ونهشته الحيات.
ومنهم من تاه؛ فهام على وجهه حتى هلك.

فهذا مثال أهل الدنيا في اشتغالهم بحظوظهم العاجلة، ونسيانهم موردهم، وعاقبة أمرهم. وما أقبح بالعاقل أن تغره أحجار ونبات يصير هشيمًا قد شغل باله، وعوقه عن نجاته، ولم يصحبه»اهـ.