السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

السبت، 20 يونيو 2015

كشكول ٩٨٦: القيام بأكثر من ثلاث عشرة ركعة




القيام بأكثر من ثلاث عشرة ركعة.

مَالِك، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: «كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَمَضَانَ؟». قَالَتْ: «مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا، فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ تَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟» قَالَ: «تَنَامُ عَيْنِي وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي».». (أخرجه الشيخان).
وعند مسلم (73) من طريق يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: «سَأَلْتُ عَائِشَةَ، عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-». فَقَالَتْ: «كَانَ يُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي ثَمَانَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ يُوتِرُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَرَكَعَ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالْإِقَامَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ».
وعند مسلم أيضا (767) من طريق سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِيُصَلِّيَ، افْتَتَحَ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ».
وبناء على هذه الروايات فإن صلاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الليل خمس عشرة ركعة.
ولا مخالفة بين هذه الأحاديث؛ لأن الظاهر أن مراد عائشة -رضي الله عنها- بيان صفة صلاته من الليل، لا حصرها في عدد معين.
ولذلك جاء عن السلف ألوان في صلاة الليل؛ فمنهم من كان يصلي من الليل بعشرين ركعة ويوتر بثلاث، ومنهم من يزيد عن ذلك.
ففي مختصر قيام الليل: «زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يُصَلِّي بِنَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَيَنْصَرِفُ وَعَلَيْهِ لَيْلٌ». قَالَ الْأَعْمَشُ: «كَانَ يُصَلِّي عِشْرِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُ بِثَلَاثٍ».
وَقَالَ عَطَاءٌ: «أَدْرَكْتُهُمْ يُصَلُّونَ فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً، وَالْوِتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ».
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ عَنْ شُتَيْرٍ: «وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعْدُودِينَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُ بِثَلَاثٍ».
مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: «إِنَّ مُعَاذًا أَبَا حَلِيمَةَ الْقَارِئَ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي رَمَضَانَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ رَكْعَةً».
ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةَ قَالَ: «أَدْرَكْتُ النَّاسَ قَبْلَ الْحَرَّةِ يَقُومُونَ بِإِحْدَى وَأَرْبَعِينَ رَكْعَةً يُوتِرُونَ مِنْهَا بِخَمْسٍ». قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: فَقُلْتُ: «لَا يُسَلِّمُونَ بَيْنَهُنَّ؟». فَقَالَ: «بَلْ يُسَلِّمُونَ بَيْنَ كُلِّ ثِنْتَيْنِ وَيُوتِرُونَ بِوَاحِدَةٍ إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا».
عَمْرُو بِنُ مُهَاجِرٍ: إِنَّ عَمْرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ «كَانَتْ تَقُومُ الْعَامَّةُ بِحَضْرَتِهِ فِي رَمَضَانَ بِخَمْسَ عَشْرَةَ تَسْلِيمَةً وَهُوَ فِي قُبَّتِهِ لَا نَدْرِي مَا يَصْنَعُ».
دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: «أَدْرَكْتُ الْمَدِينَةَ فِي زَمَانِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يُصَلُّونَ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ».
نَافِعٌ: «لَمْ أُدْرِكِ النَّاسَ إِلَّا وَهُمْ يُصَلُّونَ تِسْعًا وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُونَ مِنْهَا بِثَلَاثٍ».
وَرْقَاءُ بْنُ إِيَاسٍ: «كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يُصَلِّي بِنَا فِي رَمَضَانَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إِلَى عِشْرِينَ لَيْلَةً سِتَّ تَرْوِيحَاتٍ، فَإِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ زَادَ تَرْوِيحَةً»اهـ.
وعلى هذا أئمة الدّين؛
وفي كتاب (مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر: ص: (222):
«ابْنُ الْقَاسِمِ: سَمِعْتُ مَالِكًا -رَحِمَهُ اللَّهُ- يَذْكُرُ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ سُلَيْمَانَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ: أَنْتَقِصُ مِنْ قِيَامِ رَمَضَانَ، فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ لَهُ: «قَدْ كَرِهَ ذَلِكَ». قَالَ: «نَعَمْ، وَقَدْ قَامَ النَّاسُ هَذَا الْقِيَامَ قَدِيمًا». قِيلَ لَهُ: «فَكَمِ الْقِيَامُ؟». فَقَالَ: «تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ رَكْعَةً بِالْوِتْرِ».
ابْنُ أَيْمَنَ: قَالَ مَالِكٌ: «أَسْتَحِبُّ أَنْ يَقُومَ النَّاسُ فِي رَمَضَانَ بِثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً ثُمَّ يُسَلِّمُ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ ثُمَّ يُوتِرُ بِهِمْ بِوَاحِدَةٍ، وَهَذَا الْعَمَلُ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ الْحَرَّةِ مُنْذُ بِضْعٍ وَمِائَةِ سَنَةٍ إِلَى الْيَوْمِ».
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ: «كَمْ مِنْ رَكْعَةٍ تُصَلِّي فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ؟». فَقَالَ: «قَدْ قِيلَ فِيهِ أَلْوَانٌ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ، إِنَّمَا هُوَ تَطَوَّعٌ». قَالَ إِسْحَاقُ: «نَخْتَارُ أَرْبَعِينَ رَكْعَةً وَتَكُونُ الْقِرَاءَةُ أَخَفَّ».
الزَّعْفَرَانِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: «رَأَيْتُ النَّاسَ يَقُومُونَ بِالْمَدِينَةِ تِسْعًا وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً». قَالَ: «وَأَحَبُّ إِلَيَّ عِشْرُونَ». قَالَ: «وَكَذَلِكَ يَقُومُونَ بِمَكَّةَ». قَالَ: «وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا ضِيقٌ وَلَا حَدٌّ يَنْتَهِي إِلَيْهِ؛ لَأَنَّهُ نَافِلَةٌ، فَإِنْ أَطَالُوا الْقِيَامَ وَأَقَلُّوا السُّجُودَ فَحَسَنٌ، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَإِنْ أَكْثَرُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَحَسَنٌ»اهـ.
ووجه ذلك:
أن فعل السلف من الصحابة بالزيادة على ثلاث عشرة ركعة؛ لا يكون إلا بسنة.
ومعلوم أن السنة قول أو فعل أو تقرير.
وغاية ما جاء عن عائشة -رضي الله عنها- من قولها: «ما زاد في رمضان ولا في غير رمضان»، أن تحكي صفة فعله، وما فعله الصحابة -رضوان الله عليهم- فهو سنة ضمنية علمها الصحابة من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فهذا الذي حكته عائشة -رضي الله عنها- سنة فعلية، وهذا الذي عليه الصحابة -رضوان الله عليهم- سنة تقريرية، علموها من الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
فكل ذلك سنة؛
فمن قام بعشرين وأوتر بواحدة.
ومن قام بعشرين وأوتر بثلاث.
ومن قام بأربعين وأوتر بواحدة.
ومن قام بست وثلاثين وأوتر بثلاث.
ومن قام بست وثلاثين وأوتر بواحدة.
ومن قام بأقل أو أكثر؛ كل ذلك سنة، لا ينسب فاعله إلى مخالفة أو بدعة.

يوضح ذلك -إن شاء الله-، أن تعلم أن السنة:
- تأتي صريحة في نسبتها إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
- وتأتي ضمنية غير صريحة؛ فتأتي عن الصحابة -رضوان الله عليهم-، ولها حكم الرفع.
وقد اتفقوا على جواز الزيادة على ما نقل عن عائشة -رضي الله عنها-؛ فدل ذلك أنه مبني على سنة وتوقيف، فهي سنة ضمنية. والله الموفق.