السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الأربعاء، 8 يونيو 2016

كشكول ١٣١٢: لست ملزمًا بكلام الناس!


لست ملزمًا بكلام الناس!
هكذا يتكلم بعضهم، ليبين استقلاليته، وأنه يتقيد بالشرع والشرع فقط!
والحقيقة أصل هذا الكلام له وجه صحيح؛ فالمسلم غير ملزم باتباع شخص معين بمفرده غير الرسول صلى الله عليه وسلم.
والمسلم عند حدوث التنازع والاختلاف أمر بالرجوع إلى الكتاب والسنة، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ (النساء:5)، فلم يأمر سبحانه إلا بالرجوع إلى الكتاب والسنة، فلم يأمر بالرجوع إلى كلام أحد بعينه غير الله سبحانه وتعالى، و رسوله صلى الله عليه وسلم؛
والرد إلى الله رد إلى القرآن العظيم، والرد إلى الرسول رد إلى سنته صلى الله عليه وسلم.
لكن لا يصح إطلاق عبارة (لست ملزماً بالناس)؛
لأن الناس شهود الله في الأرض، فقد جاء في الحديث الذي ألأخرجه البخاري تحت رقم (1367)، ومسلم تحت رقم (949)، عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: "مَرُّوا بِجَنَازَةٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَجَبَتْ. ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: وَجَبَتْ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا، فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا، فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ". وفي رواية: "الْمُؤْمِنُونَ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ".
ومعنى ذلك أن المسلم لا ينبغي أن يهمل نظر الناس إليه، وحكمهم عليه، إذا كانوا أهل فضل وصلاح.
ولأن الرسول وهو الرسول صلى الله عليه وسلم علمنا أن نراعي حال الناس، في منع وارد الشيطان في نفوسهم، فقد جاء في الحديث عند البخاري تحت رقم (2035)، ومسلم تحت رقم (2175)، عن صَفِيَّة - زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي المَسْجِدِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ المَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ، مَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، فَقَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا". قال في فتح الباري لابن حجر (4/ 280): "وَفِيهِ التَّحَرُّزُ مِنَ التَّعَرُّضِ لِسُوءِ الظَّنِّ وَالِاحْتِفَاظُ مِنْ كَيَدِ الشَّيْطَان والاعتذار قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَهَذَا مُتَأَكِّدٌ فِي حَقِّ الْعُلَمَاءِ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا فِعْلًا يُوجِبُ سُوءَ الظَّنِّ بِهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِيهِ مَخْلَصٌ لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ إِلَى إِبْطَالِ الِانْتِفَاعِ بِعِلْمِهِمْ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُبَيِّنَ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَجْهَ الْحُكْمِ إِذَا كَانَ خَافِيًا نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ خَطَأُ مَنْ يَتَظَاهَرُ بِمَظَاهِرِ السُّوءِ وَيَعْتَذِرُ بِأَنَّهُ يُجَرِّبُ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَقَدْ عَظُمَ الْبَلَاءُ بِهَذَا الصِّنْفِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ"اهـ
ولأن الله سبحانه أمر العامي بالرجوع إلى أهل العلم، والسؤال عما لا يعلمون ليبين العلماء لهم ذلك. فإذا بين له العالم شرع الله بالدليل الذي يلزم اتباعه، لزمه الأخذ بقوله، وإلا ما فائدة أمره بالرجوع إلى أهل العلم وسؤالهم، نعم بدون تعيين عالم بعينه!
ولأن الله أمرنا أن نتبع سبيل المؤمنين و لا نخالفه، قال تعالى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً } (النساء: 115).
ولأن المسلم مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، فهو بحق الدين ملزم بذلك، ومن هذا الناس، فيناصح ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

وبعد هذا جميعه تفهم ما في إطلاق هذه العبارة من مؤاخذات، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.