وصـــــايـــا هامة في حيــــاة المسلـــــــــــم:
الوصية الأولى: على المسلم أن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. عَنْ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ: «وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْقَدَرِ خَشِيتُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيَّ دِينِي وَأَمْرِي، فَأَتَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ: «أَبَا الْمُنْذِرِ إِنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْقَدَرِ، فَخَشِيتُ عَلَى دِينِي وَأَمْرِي، فَحَدِّثْنِي مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ؛ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ». فَقَالَ: «لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ، وَأَهْلَ أَرْضِهِ، لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ. وَلَوْ رَحِمَهُمْ لَكَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ. وَلَوْ كَانَ لَكَ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا، أَوْ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ تُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قُبِلَ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، فَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ. وَأَنَّكَ إِنْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ. وَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَأْتِيَ أَخِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَتَسْأَلَهُ»! فَأَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ، فَسَأَلْتُهُ، فَذَكَرَ مِثْلَ مَا قَالَ أُبَيٌّ وَقَالَ لِي: «وَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَأْتِيَ حُذَيْفَةَ»! فَأَتَيْتُ حُذَيْفَةَ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَا! وَقَالَ: «ائْتِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَاسْأَلْهُ». فَأَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ، وَأَهْلَ أَرْضِهِ، لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ. وَلَوْ رَحِمَهُمْ لَكَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ. وَلَوْ كَانَ لَكَ مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا، أَوْ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا تُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ مِنْكَ، حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ، فَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَأَنَّكَ إِنْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ».»([١]).
الوصية الثانية: أن تعلم: أن النافع الضار هو الله تبارك وتعالى. فليس بيد أحد أن ينفعك بشيء، وليس بيد أحد أن يضرك بشيء، إلا ما قدره الله عليك. فأنت تتقلب في قدر الله. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا فَقَالَ: «يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ. إِذَا سَأَلْتَ، فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ، فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ. وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ. رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ»([ ٢]).
الوصية الثالثة: أن تحسن الظن بالله. فإن الله حكيم، عليم، لطيف، خبير. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ»([٣]). عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»([٤]).
الوصية الرابعة: أن تعلم أن كل ما أصابك هو خير لك، إذا صبرت على الضراء، وشكرت على السراء. عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ. إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ. وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»([ ٥]).
الوصية الخامسة: أن عليك أن تصبر، فإن الحياة الدنيا دار ابتلاء، من بداية حياتك إلى الموت. قال تبارك وتعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}. (الملك: ٢). ومن أنواع البلاء: ما ذكره الله لنا في قوله تبارك وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}. (البقرة:١٥٥). فوصف الله البلاء، وذكر الدواء: وهو الصبر.
والصبر تارة يكون واجباً، وتارة يكون مستحباً، فالصبر على فعل الطاعات الواجبة: واجب، والصبر على فعل الطاعات المستحبة: مستحب. والصبر عن ترك المعاصي المحرمة: واجب، والصبر عن فعل المكروهات: مستحب. والصبر على أقدار الله ومنها المصائب التي يصيبك بها أيها المسلم: واجب.
الوصية السادسة: أن تنظر إلى حال من هو دونك، فهذا أجدر أن لا تزدري نعمة ربك. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ». (متفق عليه). وفي رواية عند مسلم: «انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ»([ ٦]).
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، مع دعائي لكم بدوام الصحة والعافية.
([١]) حديث حسن. أخرجه أحمد (الميمنية ٥/١٨٩)، وأبوداود في (كتاب السنة) باب في القدر، حديث رقم: (٤٦٩٩)، وابن ماجه في (المقدمة) باب في القدر، حديث رقم: (٧٧).
([٢]) حديث صحيح. أخرجه أحمد (الميمنية ١/٢٩٣)، والترمذي في (كتاب صفة القيامة والرقائق والورع) باب منه، حديث رقم: (٢٥١٦).، وقال: «حديث حسن صحيح» اهـ.
([٣]) حديث حسن. أخرجه الترمذي في (كتاب الزهد) باب ما جاء في الصبر على البلاء، حديث رقم: (٢٣٩٦)، وابن ماجه في (كتاب الفتن)، باب الصبر على البلاء، حديث رقم: (٤٠٣١). وقال الترمذي: «حديث حسن غريب من هذا الوجه» اهـ.
([٤]) أخرجه مسلم في (كتاب الجنة، وصفة نعيمها وأهلها)، باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت، حديث رقم: (٢٨٧٧).
([٥]) أخرجه مسلم في (كتاب الزهد)، باب المؤمن مره كله خير، حديث رقم: (٢٩٩٩).
([٦]) أخرجه البخاري في (كتاب الرقاق)، باب لينظر إلى من هو أسفل منه، ولا ينظر إلى من هو فوقه، حديث رقم: (٦٤٩٠)، ومسلم في (كتاب الزهد) باب، حديث رقم: (٢٩٦٣).