السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

قال وقلت ٤٥: بعد ثبوت ثقة ناقل الخبر، فالأصل قبول خبره. ولا يتوقف فيه بغرض التثبت فيه


قال: «وردت في السنة مواقف للصحابة والسلف كانوا يتثبتون من أخبارهم وفتاويهم ورواياتهم وشواهد هذا كثيرة، مع إنهم ثقات، فقبول كلام الثقة مطلقًا ليس بمسلم، ولا يلزم من التثبت والبحث تنقص هذا الثقة!».

قلت: المنشور في قبول خبر الثقة، لا في قبول كلامه، هذه واحدة.

والقاعدة: خبر الثقة مقبول.
فمن ثبت أنه ثقة قبل خبره، فلا ينافي ذلك القاعدة، بل هي تشير إليه. هذه ثانية.

وقد كان الناس على الأصل، في قبول خبر الثقة، كما في قصة تحويل القبلة.

وطلب التثبت في الخبر غير قضية قبول أخبار الثقات؛ ولذلك لا تجد أحداً يقول: يتثبت في خبر الثقات! هذه الثالثة.

فإن حصل طلب التثبت في خبر ثقة فهذا ليس لأنه غير مقبول، بل لأمر آخر؛

فقد يكون طلب التثبت حتى لا يستهين الناس بالحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. كما صنع عمر -رضي الله عنه- مع أبي موسى -رضي الله عنه-.

وقد يكون طلب التثبت سببه كثرة الفتن، وفشو الكذب.

وقد يكون لأسباب أخرى.

المهم أنه بعد ثبوت ثقة ناقل الخبر، فالأصل قبول خبره. ولا يتوقف فيه بغرض التثبت فيه

قال الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في مقدمة صحيحه: «حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَسَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْأَشْعَثِيُّ جَمِيعًا عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ سَعِيدٌ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: «جَاءَ هَذَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ -يَعْنِي بُشَيْرَ بْنَ كَعْبٍ- فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: عُدْ لِحَدِيثِ كَذَا وَكَذَا، فَعَادَ لَهُ، ثُمَّ حَدَّثَهُ، فَقَالَ لَهُ عُدْ لِحَدِيثِ كَذَا وَكَذَا، فَعَادَ لَهُ. فَقَالَ لَهُ: «مَا أَدْرِي أَعَرَفْتَ حَدِيثِي كُلَّهُ وَأَنْكَرْتَ هَذَا، أَمْ أَنْكَرْتَ حَدِيثِي كُلَّهُ وَعَرَفْتَ هَذَا؟!». فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: «إِنَّا كُنَّا نُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ لَمْ يَكُنْ يُكْذَبُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ؛ تَرَكْنَا الْحَدِيثَ عَنْهُ».

وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «إِنَّمَا كُنَّا نَحْفَظُ الْحَدِيثَ، وَالْحَدِيثُ يُحْفَظُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَمَّا إِذْ رَكِبْتُمْ كُلَّ صَعْبٍ وَذَلُولٍ فَهَيْهَاتَ».
وحَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْغَيْلَانِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ يَعْنِي الْعَقَدِيَّ حَدَّثَنَا رَبَاحٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «جَاءَ بُشَيْرٌ الْعَدَوِيُّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَجَعَلَ يُحَدِّثُ وَيَقُولُ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَعَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَأْذَنُ لِحَدِيثِهِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَالِي لَا أَرَاكَ تَسْمَعُ لِحَدِيثِي أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَا تَسْمَعُ؟!».
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «إِنَّا كُنَّا مَرَّةً إِذَا سَمِعْنَا رَجُلًا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْتَدَرَتْهُ أَبْصَارُنَا وَأَصْغَيْنَا إِلَيْهِ بِآذَانِنَا، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ لَمْ نَأْخُذْ مِنْ النَّاسِ إِلَّا مَا نَعْرِفُ».


وساق بسنده عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: «لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنْ الْإِسْنَادِ، فَلَمَّا وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ قَالُوا: «سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ». فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ؛ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ. وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ؛ فَلَا يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ»اهـ.