السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

كشكول ٣٠٩: المسائل المستحدثة إذا أوقعت الخلاف، فإنها تترك بخلاف مسائل الدين التي وردت عن السلف...


المسائل المستحدثة إذا أوقعت الخلاف، فإنها تترك، بخلاف مسائل الدين التي وردت عن السلف فإنها لا تترك حتى وإن أوقعت الخلاف؛


قال ابن القيم -رحمه الله- في مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (ص:600 - 601): 

«وَجَدْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَضِيَ عَنْهُمْ- اخْتَلَفُوا بَعْدَهُ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ، فَلَمْ يَتَفَرَّقُوا وَلَمْ يَكُونُوا شِيَعًا؛ 

لِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُوا الدِّينَ، 

وَنَظَرُوا فِيمَا أُذِنَ لَهُمْ فَاخْتَلَفَ أَقْوَالُهُمْ وَآرَاؤُهُمْ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ  ،

كَمَسْأَلَةِ الْجَدِّ وَالْمُشْرِكَةِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، 

فَصَارُوا بِاخْتِلَافٍ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَحْمُودِينَ، 

وَكَانَ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الِاخْتِلَافِ رَحْمَةً لِهَذِهِ الْأُمَّةِ حَيْثُ أَيَّدَهُمْ بِالتَّوْفِيقِ وَالْيَقِينِ، 

ثُمَّ وَسَّعَ عَلَى الْعُلَمَاءِ النَّظَرَ فِيمَا لَمْ يَجِدُوا حُكْمَهُ فِي التَّنْزِيلِ وَالسُّنَّةِ، وَكَانُوا مَعَ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَهْلَ مَوَدَّةٍ وَنُصْحٍ، 

وَبَقِيَتْ بَيْنَهُمْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُمْ نِظَامُ الْأُلْفَةِ، 

فَلَمَّا حَدَثَتْ هَذِهِ الْأَهْوَاءُ الْمُرْدِيَةُ الدَّاعِيَةُ أَصْحَابَهَا إِلَى النَّارِ، وَصَارُوا أَحْزَابًا؛ انْقَطَعَتِ الْأُخُوَّةُ فِي الدِّينِ وَسَقَطَتِ الْأُلْفَةُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّنَائِيَ، وَالْفُرْقَةَ إِنَّمَا حَدَثَ فِي الْمَسَائِلِ الْمُحْدَثَةِ الَّتِي ابْتَدَعَهَا الشَّيْطَانُ أَلْقَاهَا عَلَى أَفْوَاهِ أَوْلِيَائِهِ؛ لِيَخْتَلِفُوا وَيَرْمِيَ بَعْضُهَا بَعْضًا بِالْكُفْرِ، 

فَكُلُّ مَسْأَلَةٍ حَدَثَتْ فِي الْإِسْلَامِ فَخَاضَ فِيهَا النَّاسُ وَاخْتَلَفُوا، وَلَمْ يُورِثْ هَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةً وَلَا نَقْصًا وَلَا تَفَرُّقًا، بَلْ بَقِيَتْ بَيْنَهُمُ الْأُلْفَةُ وَالنَّصِيحَةُ وَالْمَوَدَّةُ، وَالرَّحْمَةُ وَالشَّفَقَةُ، عَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الْإِسْلَامِ يَجُوزُ النَّظَرُ فِيهَا، وَالْآخَرُ يَقُولُ مِنْ تِلْكَ الْأَقْوَالِ مَا لَا يُوجِبُ تَبْدِيعًا وَلَا تَكْفِيرًا كَمَا ظَهَرَ مِثْلُ هَذَا الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مَعَ بَقَاءِ الْأُلْفَةِ وَالْمَوَدَّةِ، 

وَكُلُّ مَسْأَلَةٍ حَدَثَتْ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا؛ فَأَوْرَثَ اخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ التَّوَلِّيَ وَالْإِعْرَاضَ وَالتَّدَابُرَ وَالتَّقَاطُعَ، وَرُبَّمَا ارْتَقَى إِلَى التَّكْفِيرِ، عَلِمْتَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ فِي شَيْءٍ، بَلْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ ذِي عَقْلٍ أَنْ يَجْتَنِبَهَا وَيُعْرِضَ عَنِ الْخَوْضِ فِيهَا.

إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى شَرْطًا فِي تَمَسُّكِنَا بِالْإِسْلَامِ أَنْ نُصْبِحَ فِي ذَلِكَ إِخْوَانًا، فَقَالَ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}. (آل عمران: 103).

قَالَ: (فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ): الْخَوْضُ فِي مَسَائِلِ الْقَدَرِ وَالصِّفَاتِ وَالْإِيمَانِ يُورِثُ التَّقَاطُعَ وَالتَّدَابُرَ، فَيَجِبُ طَرْحُهَا وَالْإِعْرَاضُ عَنْهَا عَلَى مَا قَرَّرْتُمْ.


(فَالْجَوَابُ): إِنَّمَا قُلْنَا هَذَا فِي الْمَسَائِلِ الْمُحْدَثَةِ، فَأَمَّا هَذِهِ الْمَسَائِلُ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهَا عَلَى مَا ثَبَتَ بِهِ النَّقْلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ، وَلَا يَجُورُ لَنَا الْإِعْرَاضُ عَنْ نَقْلِهَا وَرِوَايَتِهَا وَبَيَانِهَا كَمَا فِي أَصْلِ الْإِسْلَامِ وَالدُّعَاءِ إِلَى التَّوْحِيدِ وَإِظْهَارِ الشَّهَادَتَيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ مَعَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَنَّ الْحَقَّ فِيمَا رَوَوْهُ وَنَقَلُوهُ»اهـ.