السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

كشكول ٣١٧: مواضع إباحة الغيبة



مواضع إباحة الغيبة:

قال ابن تيمية -رحمه الله- في منهاج السنة النبوية (5/ 145- 147): 

«يُبَاحُ مِنْ ذَلِكَ (يعني: الغيبة) مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛

وَهُوَ مَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْقِصَاصِ وَالْعَدْلِ.

وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ الدِّينِ.

وَنَصِيحَةِ الْمُسْلِمِينَ. 

- فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِ الْمُشْتَكِي الْمَظْلُومِ:  فُلَانٌ ضَرَبَنِي، وَأَخَذَ مَالِي، وَمَنَعَنِي حَقِّي، وَنَحْوَ ذَلِكَ. قَالَ تَعَالَى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}. (سُورَةُ النِّسَاءِ: 148)، وَقَدْ نَزَلَتْ فِيمَنْ ضَافَ قَوْمًا فَلَمْ يُقْرُوهُ، لِأَنَّ قِرَى الضَّيْفِ وَاجِبٌ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، فَلَمَّا مَنَعُوهُ حَقَّهُ كَانَ لَهُ ذِكْرُ ذَلِكَ، وَقَدْ أَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُعَاقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ فِي زَرْعِهِمْ وَمَالِهِمْ، وَقَالَ: «نَصْرُهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: ««انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا». قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟». قَالَ: «تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ فَذَلِكَ نَصْرُكَ إِيَّاهُ».».

- وَأَمَّا الْحَاجَةُ؛ فَمِثْلُ اسْتِفْتَاءِ هِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعْطِينِي وَبَنِيَّ مَا يَكْفِينِي بِالْمَعْرُوفِ». فَقَالَ: النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ». أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا قَوْلَهَا، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ الْمَظْلُومِ.

- وَأَمَّا النَّصِيحَةُ، فَمِثْلُ قَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ لَمَّا اسْتَشَارَتْهُ فِيمَنْ خَطَبَهَا فَقَالَتْ: «خَطَبَنِي أَبُو جَهْمٍ وَمُعَاوِيَةُ». فَقَالَ: «أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ» وَفِي لَفْظٍ: «يَضْرِبُ النِّسَاءَ»، «انْكِحِي أُسَامَةَ» فَلَمَّا اسْتَشَارَتْهُ حَتَّى تَتَزَوَّجَ ذَكَرَ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ.

وَكَذَلِكَ مَنِ اسْتَشَارَ رَجُلًا فِيمَنْ يُعَامِلُهُ. وَالنَّصِيحَةُ مَأْمُورٌ بِهَا وَلَوْ لَمْ يُشَاوِرْهُ؛ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ» ثَلَاثًا. قَالُوا: «لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟». قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ».

- وَكَذَلِكَ بَيَانُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِمَنْ غَلِطَ فِي رِوَايَةٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

أَوْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ عَلَيْهِ.

أَوْ عَلَى مَنْ يَنْقِلُ عَنْهُ الْعِلْمَ. 

- وَكَذَلِكَ بَيَانُ مَنْ غَلِطَ فِي رَأْيٍ رَآهُ فِي أَمْرِ الدِّينِ مِنَ الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ؛


فَهَذَا إِذَا تَكَلَّمَ فِيهِ الْإِنْسَانُ بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ، وَقَصَدَ النَّصِيحَةَ، فَاللَّهُ تَعَالَى يُثِيبُهُ عَلَى ذَلِكَ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْمُتَكَلِّمُ فِيهِ دَاعِيًا إِلَى بِدْعَةٍ، فَهَذَا يَجِبُ بَيَانُ أَمْرِهِ لِلنَّاسِ، فَإِنَّ دَفْعَ شَرِّهِ عَنْهُمْ أَعْظَمُ مِنْ دَفْعِ شَرِّ قَاطِعِ الطَّرِيقِ»اهـ.