الحكمة من الأمر بالسكوت عما شجر بين الصحابة -رضي الله عنهم-:
قال ابن تيمية -رحمه الله- في منهاج السنة النبوية (5/147): «وَحُكْمُ الْمُتَكَلِّمِ بِاجْتِهَادِهِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ حُكْمُ أَمْثَالِهِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ.
ثُمَّ قَدْ يَكُونُ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا أَوْ مُصِيبًا.
وَقَدْ يَكُونُ كُلٌّ مِنَ الرَّجُلَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ بِاللِّسَانِ أَوِ الْيَدِ مُجْتَهِدًا يَعْتَقِدُ الصَّوَابَ مَعَهُ.
وَقَدْ يَكُونَانِ جَمِيعًا مُخْطِئَيْنِ مَغْفُورًا لَهُمَا، كَمَا ذَكَرْنَا نَظِيرَ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ يَجْرِي بَيْنَ الصَّحَابَةِ؛
وَلِهَذَا يُنْهَى عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ سَوَاءً كَانُوا مِنَ الصَّحَابَةِ أَوْ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ.
فَإِذَا تَشَاجَرَ مُسْلِمَانِ فِي قَضِيَّةٍ، وَمَضَتْ وَلَا تَعَلُّقٌ لِلنَّاسِ بِهَا، وَلَا يَعْرِفُونَ حَقِيقَتَهَا، كَانَ كَلَامُهُمْ فِيهَا كَلَامًا بِلَا عِلْمٍ وَلَا عَدْلٍ يَتَضَمَّنُ أَذَاهُمَا بِغَيْرِ حَقٍّ.
وَلَوْ عَرَفُوا أَنَّهُمَا مُذْنِبَانِ أَوْ مُخْطِئَانِ، لَكَانَ ذِكْرُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ مِنْ بَابِ الْغَيْبَةِ الْمَذْمُومَةِ.
لَكِنَّ الصَّحَابَةَ -رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ- أَجْمَعِينَ أَعْظَمُ حُرْمَةً، وَأَجَلُّ قَدْرًا، وَأَنْزَهُ أَعْرَاضًا. وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ فَضَائِلِهِمْ خُصُوصًا وَعُمُومًا مَا لَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِمْ، فَلِهَذَا كَانَ الْكَلَامُ الَّذِي فِيهِ ذَمُّهُمْ عَلَى مَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ أَعْظَمَ إِثْمًا مِنَ الْكَلَامِ فِي غَيْرِهِمْ»اهـ.