علمني ديني:
أن أترك الغلو حتى فيمن أحب، وأعلم أنه على حق؛ فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن الغلو فيه، فنهى عن الإطراء الخارج عن الحد.
مما أمرنا به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ترك الغلو فيه. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعَ عُمَرَ -رضي الله عنه- يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ».». (أخرجه البخاري في (كتاب أحاديث الأنبياء)، باب قول الله: {واذكر في الكتاب مريم إذا انتبذت}، حديث رقم: (3445).).
بل حتى في الدين جميعه ينهى المسلم عن الغلو.
عن ابْن عَبَّاسٍ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- غَدَاةَ الْعَقَبَةِ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ: «هَاتِ الْقُطْ لِي». فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ، فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ فِي يَدِهِ قَالَ: «بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ». (أخرجه أحمد في المسند (الرسالة: 3/ 351، تحت رقم: 1851)، والنسائي في (كتاب مناسك الحج)، باب التقاط الحصى، حديث رقم: (3057)، وابن ماجه في (كتاب المناسك)، باب قدر حصى الرمي، حديث رقم: (3029)، وابن خزيمة (4/ 274، تحت رقم: 2867)، وابن حبان (الإحسان (9/ 183، تحت رقم: 3871)، والحاكم (1/ 466). والحديث صححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وصحح إسناده محققو مسند أحمد، ومحقق الإحسان).
والحديث نص صريح في النهي عن الغلوِّ في الدين، فمنهاج الدين وسبيله هو السماحة، والتيسير، وترك التشدد، في حدود ما جاء في الشرع.
ومن فوائد الحديث تنبيهه على قضية خطيرة جدًّا، وهي أن الغلو في الدين من أسباب هلاك الأمم قبلنا، فالقصد القصد.
ومن الأدلة: ما جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ. هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ. هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ». (أخرجه مسلم في كتاب العلم، باب: هلك المتنطعون، حديث رقم: (2670).). والمتنطعون هم -كما قال شراح الحديث-: «الْمُتَعَمِّقُونَ، الْغَالُونَ، الْمُجَاوِزُونَ الْحُدُود فِي أَقْوَالهمْ وَأَفْعَالهمْ». والحديث ظاهره خبرٌ عن حال المتنطعين، إلا أنه في معنى النهي عن التنطع.
فينبغي أن يتحلى طالب العلم بترك الغلو في الدين، وفي أشياخه ومعلميه ومن يحب من طلبة العلم وأهله، والله المستعان.