سؤال:
«اليوم أصبحت هناك شبهة خطيرة تدور بين السلفيين، يقولون: «كلما وثقنا في شيخ سلفي مزكى من العلماء؛ لأجل ثقتنا بعلمه، ﻻ لتعلقنا بشخصه، يسقط فجأة، وﻻ نعلم ما السبب حتى نحتاط من أخطائه، ومكتباتنا الشخصية في المنازل كلما ملأنها بكلام المشايخ أفرغناها مرة أخرى».
فكيف يكون الرد على هذه الشبهة التي قد تصبح كالعدوى حتى تهتك بالسلفيين ويتسلط عليهم الشيطان؟ وما نصيحتكم لأبنائك السلفيين».
الجواب:
هذا الواقع الذي وصفه السائل موجود، وأشعر به، ولعل مما يحقق مراد السائل ويوضح الأمر ذكر ما يلي:
أولاً: ليس معنى السلفية والانتساب إليها أن لا يقع السلفي في أخطاء، سواء كان طالب علم صغير، أم كان عالماً كبيراً، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون».
ثانياً: ليس كل خطأ يعامل صاحبه معاملة أهل البدع، وهذه قضية هامة جداً، ومحل فرق بين السلفيين والمتشددة في هذا الباب، ومنهم الحدادية، فإنه مما ينكر عليهم عدم التفريق بين الخطأ يقع فيه السلفي، والخطأ يقع فيه صاحب البدع والهوى، ويعاملونهما معاملة واحدة عندهم! فإن صاحب السنة يناصح، ويوجه، والظن فيه قبول الحق، والرجوع إليه. وهذا ليس ضعفًا ولا خواراً، بل هو شجاعة أدبية يدين المسلم بها نفسه لربه، فإن الحق أحق أن يتبع!
ثالثاً: ليس معنى السلفية أن لا يحصل اختلاف بين السلفيين في مسائل العلم الاجتهادية، وهذا أمر واقع الصحابة يدل عليه، وليس معنى كون السلفي يتبع الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح أن لا يقع اختلاف في المسائل الاجتهادية، وهؤلاء الأئمة الأربعة من أئمة أتباع السلف الصالح حصل بينهم من الاختلاف في مسائل العلم الاجتهادية ما هو معلوم ومعروف!
رابعاً: ليس معنى السلفية أن لا يقع السلفي في أمراض القلوب من الشهوات الخفية، كمحبة الظهور، والتعنت مع إخوانه. والحال أن المسلم مرآة أخية المسلم، فيناصح ويوجه، والله المستعان.
خامساً: ليس من منهج السلف الصالح الإلزام باتباع قول أحد، إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. خاصة في المسائل الاجتهادية.
سادساً: قد يتكلم عالم سلفي في آخر سلفي، ويستطيل عليه بسبب قصور ما، ولا يعني ذلك إسقاطه، والموقف من ذلك هو إحسان الظن، فنعتقد أن كلام ذلك العالم نتيجة اجتهاد رآه، هو فيه بين أجرين إن أصاب، وأجر إن أخطأ.
سابعاً: إذا تكلم أحد في من عرفت عدالته وثقته لا يقبل القول فيه إلا ببيان السبب وتفسير الجرح، فلا يعامل معاملة من هو متكلم فيه أصلاً، أو معاملة من لا تعرف ثقته وعدالته.
ثامناً: إحسان الظن مقدّم، فلا تظنن بأخيك المسلم سوءاً وأنت ترى له في الخير محملاً.
تاسعاً: لا تقديس للأشخاص. والسائل -جزاه الله خيراً- تنبه لهذا في قوله: «ﻻ لتعلقنا بشخصه».
عاشراً: ما كل أحد تكلم فيه يسقط، وما كل كلام في أحد يعد جرحاً.
الحادي عشر: ليس من السلفية الإلحاح على حصول التزكيات من العلماء والسعي وراءها. فالمسلم يزكيه علمه وعمله قبل كل شيء، فالأرض لا تقدس أحداً، والنسب لا يقدس أحدًا، و الكلام في جرح الناس لا يقدس أحداً.
الثاني عشر: ليس من السلفية الفرح بعيب الناس، وتجريحهم، والسعي فيه لغير حاجة، وعلى طالب العلم تجنب الخوض فيه، وترك الأمر بيد أهل العلم، فلا يتسبب في إشعال الفتنة، وقدح أوارها، بل يخمد الفتنة باعتزاله نارها، بالصبر، والظن الحسن، وأن يوكل الأمر لأهل العلم. والله الموفق.