السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الاثنين، 9 فبراير 2015

خلفيات علمية (13)



خلفيات علمية (13)

علم الحديث، وعلوم الحديث، ومصطلح الحديث.
كلها أسماء لعلم واحد.
والسؤال لماذا اختص هذا العلم بتسميته بعلم (المصطلح) دون غيره مع العلوم، مع أن جميع العلوم فيها اصطلاحات؟
والجواب فيما يظهر لي، والله أعلم:
أن هذا العلم اختص بذلك؛ لأن لكل عالم وإمام من علماء الحديث مصطلحه الخاص، وألفاظه الخاصة في الجرح والتعديل، وعبارته الخاصة في التعبير عن المسألة.
هذا الواقع لا يوجد في غير هذا العلم؛ لذلك سمي بعلم المصطلح.
فيجد الناظر في علوم الحديث أن أئمة الحديث كانوا يتكلمون على الرواة والأحاديث دون اصطلاح عام يسيرون عليه،
بل كان لكل واحد منهم ألفاظه وعباراته الخاصة يعبر بها عما يريد بيانه من أوصاف الرواة والأحاديث، فتجد المعنى الحديثي الواحد يعبر عنه كل إمام بعبارته، وقد تتشابه الألفاظ والعبارات وقد تختلف!
هذا الواقع أوجد صعوبة وغموضاً في هذا العلم، سواء في جانب عبارات الجرح والتعديل، أم في أوصاف الحديث؛ إذ تنوع الألفاظ على وصف الحديث يضفي غموضاً يصعب معه فهم العلم!
وقد قال ابن الصلاح (ت643هـ) -رحمه الله-: «ومذاهب النقاد للرجال غامضة مختلفة»اهـ. (علوم الحديث/ العتر/ ص107).
وقال الذهبي (ت748هـ) -رحمه الله-: «نحن نفتقر إلى تحرير عبارات التعديل والجرح، وما بين ذلك من العبارات المتجاذبة. ثم أهم من ذلك أن نعلم بالاستقراء التام: عُرْف ذلك الإمام الجهبذ، واصطلاحه، ومقاصده بعباراته الكثيرة»اهـ. (الموقظة ص83).
ولعل من أهم الأسباب القاضية بهذا الغموض وعدم وجود الاصطلاح العام عند المتقدمين من أهل الحديث: هو النسبية؛ إذ لكل حديث نظر خاص، وذوق خاص، وحيثياته الخاصة، فتجري عبارة الإمام بما يطابق حال الحديث على الخصوص، مما يجعل أخذها مأخذ القاعدة العامة والاصطلاح العام غير مطابق للواقع!
قال ابن تيميه (ت728هـ) -رحمه الله-: «لكل حديث ذوق، ويختص بنظر ليس للآخر»اهـ. (علم الحديث لابن تيميه ص:39).
قال ابن رجب (ت795هـ) -رحمه الله-: «وأمّا أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا انفرد به واحد وإن لم يرو الثقات خلافه: «إنه لا يتابع عليه». ويجعلون ذلك علة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه، واشتهرت عدالته، وحديثه، كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون تفردات الثقات الكبار أيضاً!
ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس لذلك ضابط يضبطه»اهـ. (شرح علل الترمذي لابن رجب (2/ 582).).