السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الاثنين، 9 فبراير 2015

كشكول ٦٨٩: النظر في أغراض المصنفين من أهم ما يعين على فهم العلم، وييسره، ويفتح بسببه على صاحبه



النظر في أغراض المصنفين من أهم ما يعين على فهم العلم، وييسره، ويفتح بسببه على صاحبه؛
وغرض صاحبا الصحيح وأبي داود من سننه، قد وضح واستبان.
وبقي الكلام عن غرض الإمام الترمذي، والإمام النسائي، والإمام ابن ماجه، في كتبهم في الحديث التي هي تمام الكتب الستة.
الذي يظهر أن الإمام الترمذي لمّا أراد أن يصنف كتاباً في أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- نظر؛
فإذا صحيح البخاري.
وصحيح مسلم.
وسنن أبي داود.
جمعت الأحاديث التي عليها مدار الأحكام، من جهة الرواية.
فتقصد في تصنيفه أن يضيف إلى عملهم ما يكمله؛ فجمع على أساس ما جرى عليه العمل؛
فهو يورد الحديث الذي جرى عليه العمل، ويعرض المذاهب على أساسه، ويشير إلى الأحاديث الأخرى في الباب.
وينبه على علل الأحاديث التي يوردها.
ويدل على ذلك اسم كتابه، فقد جاء في فهرست ابن خير الإشبيلي (ص: 98): «مُصَنف الإِمَام أبي عِيسَى مُحَمَّد بن عِيسَى بن سُورَة التِّرْمِذِيّ الْحَافِظ، وَهُوَ الْجَامِع الْمُخْتَصر من السّنَن عَن رَسُول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم-، وَمَعْرِفَة الصَّحِيح والمعلول وَمَا عَلَيْهِ الْعَمَل»اهـ.
فكمل في كتابه كتب من قبله، فأضاف جانب العمل بالأحاديث، وهو جانب أشار إليه أبو داود في رسالته لأهل مكة في وصف سننه، حيث قال في (ص: 29) منها: «وَالْأَحَادِيث الَّتِي وَضَعتهَا فِي كتاب السّنَن أَكْثَرهَا مشاهير، وَهِي عِنْد كل من كتب شَيْئا من الحَدِيث، إِلَّا أَن تمييزها لَا يقدر عَلَيْهِ كل النَّاس.
وَالْفَخْر بهَا أَنَّهَا مشاهير فَإِنَّهُ لَا يحْتَج بِحَدِيث غَرِيب، وَلَو كَانَ من رِوَايَة مَالك وَيحيى بن سعيد والثقات من أَئِمَّة الْعلم،
وَلَو احْتج رجل بِحَدِيث غَرِيب وجدت من يطعن فِيهِ وَلَا يحْتَج بِالْحَدِيثِ الَّذِي قد احْتج بِهِ إِذا كَانَ الحَدِيث غَرِيبًا شاذًا،
فَأَما الحَدِيث الْمَشْهُور الْمُتَّصِل الصَّحِيح فَلَيْسَ يقدر أَن يردهُ عَلَيْك أحد.
وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ كَانُوا يكْرهُونَ الْغَرِيب من الحَدِيث»اهـ.
فهو لا يريد الشهرة الاصطلاحية، ما رواه ثلاثة عن ثلاثة ولم يصل إلى حد التواتر؛ كما يدل عليه تمام كلامه. ، وكما يدل عليه واقع أحاديث كتابه!
ولا يريد ما اشتهر على ألسن الناس.
إنما يريد ما تداوله العلماء وجرى عليه العمل.
فنظر الترمذي -رحمه الله- في ذلك، فأظهره بذكر الحديث، ومذاهب العلماء في العمل، وعمل إشارات لما جاء في الباب.
وتصريحه في نهاية كل باب بالإشارة إلى ما يدخل فيه؛ يجعل الناظر يتساءل؛
ما وجه إيراد الترمذي -رحمه الله- لهذا الحديث دون غيره مما أشار إلى وروده في الباب؟
وجوابه: أن هذا هو الحديث الذي دار عليه الخلاف في العمل، ولعله أصح ما في الباب، وأتمها سياقاً، والله أعلم (هذا يحتاج إلى تأكد وبحث، وذكرته استشرافًا من تصرف الإمام الترمذي -رحمه الله-).
أمّا ابن ماجه فكانت وفاته قبل الترمذي، فقد توفي سنة 273هـ، بينما الترمذي وفاته سنة 279هـ؛ فقد سبقه كتاب البخاري، ومسلم، وأبي داود،
نظر ابن ماجه لمّا أراد تصنيف كتابه في الحديث فوجد تلك الكتب استوعبت الصحيح والحسن مما استدل به في مسائل الدين، وبقي نوع هو في آخر الحسن، وأول الضعيف مما يتداوله عمل العلماء؛ فقصد في كتابه إلى جمع هذا النوع، مع وضع تراجم للأبواب ذات دلالات فقهية.
وأما النسائي فقد وجد من قبله قد جمع الأحاديث التي عليها الأحكام في الرواية والعمل؛ وبقي جانب معين وهو الإشارة إلى مواضع الاختلاف في الأحاديث، والتي هي مدار اختلاف العلماء في العمل بالأحاديث، فأقام المجتبى على هذا.