السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الثلاثاء، 18 نوفمبر 2014

كشكول ٢٠٧: فصل ما بين أهل السنة وأصحاب البدع من حزبيات وغيرها



فصل ما بين أهل السنة وأصحاب البدع من حزبيات وغيرها.

أن دين أهل السنة: مبني على الإتباع لما كان عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه.

أما أهل البدع: فالدين عندهم هو العقل، حتى الكتاب والسنة يفهمان بمقتضى العقل واللغة، لا يوج اتباع.

قــال أبو المظفر السمعاني -رحمه الله-: «وَاعْلَم: أَن فصل مَا بَيْننَا وَبَين المبتدعة هُوَ مَسْأَلَة الْعقل؛

فإِنهم أسسوا دينهم عَلَى الْمَعْقُول، وَجعلُوا الِاتِّبَاع والمأثور تبعًا للمعقول، 

وَأما أهل السّنة؛ قَالُوا: 

الأَصْل فِي الدّين الِاتِّبَاع والمعقول تبع، 

وَلَو كَانَ أساس الدّين عَلَى الْمَعْقُول لَا ستغنى الْخلق عَنِ الْوَحْي، وَعَن الْأَنْبِيَاء، ولبطل معنى الْأَمر وَالنَّهْي، ولقال من شَاءَ مَا شَاءَ، 

وَلَو كَانَ الدّين بني عَلَى الْمَعْقُول لجَاز للْمُؤْمِنين أَن لَا يقبلُوا شَيْئًا حَتَّى يعقلوا. 

وَنحن إِذَا تدبرنا عَامَّة مَا جَاءَ فِي أَمر الدّين من ذكر صِفَات اللَّه، وَمَا تعبد النَّاس بِهِ من اعْتِقَاده، وَكَذَلِكَ مَا ظهر بَين الْمُسلمين، وتداولوه بَينهم، ونقلوه عَن سلفهم، إِلَى أَن أسندوه إِلَى رَسُول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ذكر عَذَاب الْقَبْر، وسؤال مُنكر وَنَكِير، والحوض، وَالْمِيزَان، والصراط وصفات الْجنَّة، وصفات النَّار وتخليد الْفَرِيقَيْنِ فيهمَا، أُمُور لَا ندرك حقائقها بعقولنا، وَإِنَّمَا ورد الْأَمر بقبولها والإِيمان بهَا، فَإِذَا سمعنَا شَيْئا من أُمُور الدّين، وعقلناه، وفهمناه، فَللَّه الْحَمد فِي ذَلِك وَالشُّكْر، وَمِنْه التَّوْفِيق، 

وَمَا لم يمكنا إِدراكه (وفهمه) وَلم تبلغه عقولنا آمنا بِهِ، وصدقناه، واعتقدنا أَن هَذَا من قبل ربوبيته وَقدرته، واكتفينا فِي ذَلِك بِعِلْمِهِ ومشيئته، وَقَالَ اللَّه تَعَالَى فِي مثل هَذَا: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلا}.  وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}.

ثُمَّ نقُول لهَذَا الْقَائِل الَّذِي يَقُول: بني ديننَا عَلَى الْعقل، وأمرنا باتباعه: أَخْبَرَنَا إِذَا أَتَاك أَمر من اللَّه يُخَالف عقلك فبأيهما تَأْخُذ؟ بِالَّذِي تعقل، أَو بِالَّذِي تُؤمر؟ 

فَإِن قَالَ: بِالَّذِي أَعقل، فقد أَخطَأ، وَترك سَبِيل الإِسلام. 

وَإِن قَالَ: (آخذ) بِالَّذِي جَاءَ من عِنْد اللَّه، فقد ترك قَوْله.

وَإِنَّمَا علينا أَن نقبل مَا عَقَلْنَاهُ إِيمانًا وَتَصْدِيقًا، وَمَا لم نعقله قبلناه استسلامًا وتسليمًا، 

وَهَذَا معنى قَول الْقَائِل من أهل السّنة: «إِن الإِسلام قنطرة لَا تعبر إِلا بِالتَّسْلِيمِ».» اهـ.


(الحجة في بيان المحجة، (347/1 - 348).).