السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الجمعة، 5 ديسمبر 2014

كشكول ٢٤٨: ما منزلة من يقول الحافظ ابن حجر عنه: «صدوق يهم»؟


سؤال: «ما منزلة من يقول الحافظ ابن حجر عنه: «صدوق يهم»؟».

الجواب: 
كتاب «تقريب التهذيب»، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) -رحمه الله-، من الكتب التي ملأت دنيا أهل الحديث، وشغلتهم، فكم من مصنَّف لأهل العلم وطلابه عنه. وإن من المسائل التي تشغل بال كثير من الباحثين في رجال الكتب الستة، مراده -رحمه الله- من بعض ألفاظ الجرح والتعديل، التي استعملها في كتابه، ومرتبة أصحابها، من ذلك قول في بعض الرواة: «صدوق يهم». فهل هؤلاء حديثهم في مرتبة الحسن لذاته؟ أو في مرتبة الحسن لغيره؟ وما الفرق بين من قال فيه: «صدوق»، ومن قال فيه: «صدوق يهم»؟ 

الذي عندي -والله أعلم-: 

أن من قال فيه الحافظ ابن حجر -رحمه الله- (صدوق يهم) أو (صدوق يخطئ) أو (صدوق له أوهام)، ونحو هذه الألفاظ التي هي عنده في المرتبة الخامسة؛ أقول: الذي عندي أن أصحاب هذه المرتبة حديثهم يُحسن بعد التأكد أن الحديث الذي يرويه (موضوع البحث) ليس مما أخطا فيه الراوي، ويعرف ذلك بمراجعة المطولات؛ فإنها تذكر عادة مواطن خطأ الراوي، فإن لم يعد هذا من أوهامه، يحسن حديثه. 

فإن قلت: ما الفرق بين من قال فيه: «صدوق» وبين أصحاب هذه المرتبة؟ 
فالجواب: أن من قال فيه: «صدوق يهم» لا يحسن حديثه إلا بعد التأكد من أن حديثه هذا بعينه ليس مما أخطا فيه، بخلاف من قال فيه: «صدوق»، 
فإنك في الذي قال عنه: «له أوهام»، لابد أن تراجع الكتب المطولة في ترجمته التي تذكر في الغالب الأحاديث التي أخطأ فيها الراوي أو وهم فيها، وأحياناً تكون للراوي روايات بعينها هي التي تضعف، فيدعوك الحافظ للنظر في التراجم المطولة بقوله: «صدوق له أوهام» أو «صدوق يهم» ونحو ذلك من العبارات التي يستعملها في المرتبة الخامسة.
وفائدة أخرى للتفريق بينهم مع أن حديثهم في مرتبة الحسن: للترجيح بينهم عند التعارض، والرواية. 

فإن قلت: ما الدليل على أن هذا هو مراد الحافظ ابن حجر؟ 

فالجواب: استفدت هذا من عدة أمور:
منها: أنه استعمل نفس هذا التعبير في من قيل فيه ثقة، فهو يقول: «ثقة يخطئ»، «ثقة له أوهام»، وتستطيع التأكد من ذلك بمراجعة التقريب، ولا أريد الإطالة بذكر أمثلة الآن.
ومنها: أنه جعل أصحاب المرتبة السادسة هم من لم يثبت ما يترك حديثهم من أجله، فدل ذلك أن الذين هم قبلهم أنهض منهم، وأقوى. 
ومنها: أنه جعل أصحاب المرتبة الثامنة من قال فيهم (ضعيف)، فهؤلاء: «من لم يوجد فيه توثيق لمعتبر، ووجد فيه إطلاق الضعف، ولو لم يفسر، وإليه الإشارة بلفظ: ضعيف». فإذا لاحظت أن هؤلاء في الثامنة فأصحاب المرتبة الخامسة كيف يعاملون معاملة من قيل فيه: «ضعيف»؟ أليس هذا مما يدل أنهم أعلى عند الحافظ بثلاث مراتب منهم؟! 
ومنها: أنه جعل في المرتبة الخامسة من رمي ببدعة، فقال: «من قصر عن الرابعة قليلاً، وإليه الإشارة بـ: صدوق سيء الحفظ، أو صدوق يهم، أو له أوهام، أو يخطئ، أو تغير بأخرة. ويلتحق بذلك من رمي بنوع من البدعة كالتشيع والقدر والنصب والإرجاء والتجهم، مع بيان الداعية من غيره»؛ ومعلوم أن صاحب البدعة يقبل حديثه مادام ضابطاً له، ما لم يكن داعية كما هو قول كثير من أهل الحديث، وما لم يكن مرويه مما ينصر بدعته، كما هو قول آخرين من أهل الحديث. 

ومنها: أنه عد في هذه المرتبة من وصف بالتغير، ومعلوم أن التغير لا يرد به حديث صاحبه، ما لم يصل إلى حد الاختلاط، فإنه يضعف بذلك، ولا يقبل منه مطلقاً إذا لم يميز حديثه، أو يقبل ما ميز أنه رواه قبل الاختلاط.

هذا ما عندي فإن كان صواباً فالحمد لله، والفضل بعد الله إليكم لإثارتكم هذه المسألة، وإن كانت الأخرى فرحم الله من أهدى إلي عيوبي، وأنا راجع عن الخطأ والزلل.