السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

السبت، 20 ديسمبر 2014

قال وقلت ٥٣: لم يثبت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- توعد من حفظ القرآن ونسيه



قال: «لا أريد أن أحفظ القرآن؛ خشية أن أنساه، فأدخل في قوله تعالى: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا}.».
ويستدل ببعض الأحاديث الضعيفة.

قلت: لم يثبت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- توعد من حفظ القرآن ونسيه. 
لم يثبت في ذلك شيء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكل ما ورد هو أحاديث ضعيفة، والثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه رغب في حفظ القرآن الكريم، وحث عليه، وأمر بتعاهده، وأكد على ذلك. فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنْ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا». (رواه البخاري ومسلم وغيرهما، واللفظ لمسلم)، 

فأمر بالتعاهد لهذا القرآن الكريم، وأدَّب -صلى الله عليه وسلم- من حفظ شيئاً من القرآن ونسيه أن لا يقول: «نسيت آية كذا وكذا»، وليقل: «أنسيت آية كذا وكذا»؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «بِئْسَمَا لِلرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ سُورَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، أَوْ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ؛ بَلْ هُوَ نُسِّيَ». (رواه البخاري ومسلم وغيرهما واللفظ لمسلم). 

فلو كان من نسي شيئاً من القرآن بعد حفظه له آثماً؛ لبين ذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولما اكتفى بقوله: «لا يقل نسيت، وليقل أُنسيت آية كذا وكذا»؛ فلا دليل شرعي ثابت في أن من حفظ شيئاً من القرآن ونسيه أنه يأثم أو أن عليه وزر. 
إنما من تهاون فيما حفظه، ولم يتعاهده؛ فقد فرط في خير كثير، وفضل عظيم يسره الله له.

والمراد بالنسيان في الآية: الإعراض، بمعنى: الجحود، والتكذيب، والتولي، وهو كفر أكبر. والإعراض على سبيل الفسق، والمعصية، والذنب. 

فإن قيل: وما معنى النسيان بالنسبة إلى -الله عز وجل-: {وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}؟

فالجواب: معناه بحسب الآية: أن تترك في العذاب، وهذا يبين أن معنى: {نسيتها} أي: تركت العمل بها، وكذا يكون الجزاء من جنس العمل؛ فكما تركت العمل بها؛ فالله يتركك في العذاب. فإن كنت من أهل المعاصي تترك في العذاب حتى توافق بالعذاب ما شاء الله -عز وجل- لك من العذاب: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}. (النساء: من الآية48)، فمن كان من أهل المعاصي والذنوب، وأراد الله عذابه فإنه يتركه في العذاب بقدر ما يوافي ذنوبه، ومن ترك العمل بشرع الله جحوداً وتكذيباً وتولياً فحصل فيه كفر التولي والإعراض، أو كفر الجحود، أو كفر التكذيب؛ فهذا يترك في النار خالداً مخلداً؛ لأنه أصبح من الكافرين الخارجين من الملة.