السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الاثنين، 25 يوليو 2016

سؤال وجواب ٣٣٠: هل يفسر النمص بالحلق؟


سؤال : 
هل يفسر النمص بالحلق؛
فقد جاء في مسند الشاشي (2/ 256، تحت رقم 830) عَنِ الْعُرْيَانِ بْنِ الْهَيْثَمِ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ, قَالَ: كُنَّا نُشَارِكُ الْمَرْأَةَ فِي السُّورَةِ مِنَ الْقُرْآنِ نَتَعَلَّمُهَا، فَانْطَلَقْتُ مَعَ عَجُوزٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فِي بَيْتِهِ، فَرَأَى جَبِينَهَا يَبْرُقُ، فَقَالَ: أَتَحْلِقِينَهُ؟ فَغَضِبَتْ، ثُمَّ قَالَتِ: الَّتِي تَحْلِقُ جَبِينَهَا امْرَأَتُكَ, قَالَ: فَادْخُلِي عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَتْ تَفْعَلُهُ, فَهِيَ مِنِّي بَرِيئَةٌ، فَانْطَلَقَتْ، ثُمَّ جَاءَتْ, فَقَالَتْ: لاَ وَاللهِ مَا رَأَيْتُهَا تَفْعَلُهُ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَلْعَنُ الْمُتَنَمِّصَاتِ, وَالْمُتَفَلِّجَاتِ, وَالْمُتَوَشِّمَاتِ, اللاَّئِي يُغَيِّرْنَ خَلْقَ اللهِ تَعَالَى". وقد حسنه الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة أثناء كلامه في تخريج الحديث رقم (2792).
فهل يستدل بقوله في الحديث: "أتحلقينه" على أن النمص يكون بالحلق و لا يقتصر على النتف، وأن محله في الجبين؟
فالجواب: 
النمص ، اختلف فيه، من جهة محله؛
فقيل: نتف شعر الوجه.
وقيل : نتف شعر الحاجبين وترقيقهما.
وقيل: نتف شعر الجبين والحاجبين.
والمحل الذي اتفقت فيه جميع الأقوال، أنه ترقيق الحاجبين، وبه فسره أبوداود في سننه، فقال، في سننه في كتاب الترجل، باب في صلة الشعر، بعد روايته لحديث لعن النامصة: "وتفسيرُ الواصِلةِ: التي تَصِلَ الشعَرَ بشعر النساء، والمستوصِلةُ: المعمُولُ بها، والنَّامِصَةُ: التي تَنْقُشُ الحاجِبَ حتى تُرِقَّه، والمُتنمِّصة: المعمولُ بها، والواشِمة: التي تجعل الخِيلانَ في وجهها بكُحلٍ أو مِدادٍ، والمُستَوشِمة: المعمولُ بها"اهـ. وهو قول اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية.
واختلف في حقيقته ؛ 
فقيل : هو نتف الشعر بالخصوص، ويقال للآلة: المنماص أو المنقاش، وكذا ما كان بالخيط، ويقال له: الفتلة. فالحلق بالموسى، والقص بالمقص ليسا من النمص، لأنهما ليسا بنتف. وهو قول الحنابلة والمالكية.
وقيل : هو إزالة الشعر، بأي وسيلة، فيحرم الحلق بالموسى، أو القص بالمقص، أو النتف. وفسرت اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية النمص به؛ ففي فتاوى اللجنة الدائمة - 2 (4/ 65) الفتوى رقم (16406) : "ما حكم تسوية شعر الحاجبين، وخاصة للمرأة التي تريد أن تتزين لزوجها أو خطيبها، وطلب ذلك منها أو لم يطلب أحد منها، ولكن تريد أن تتزين، وخاصة إذا كان الحاجب عريض ولونه أسود قاتم وشعره طويل كثيف، ويكاد يتصل الحاجبان سويا؟
الجواب: لا يجوز للمرأة الأخذ من شعر الحاجب لا بقص ولا نتف ولا حلق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله النامصة والمتنمصة» ، والنامصة هي: التي تأخذ شعر حواجبها والمتنمصة هي: التي تطلب من غيرها أن يزيل شعر حواجبها وليس النمص من الزينة، وإنما هو من التشويه والتغيير لخلق الله وإذا أمرها زوجها بذلك، فلا يجوز لها أن تطيعه؛ لأن ذلك معصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والواجب على الأزواج أن يتقوا الله، ولا يأمروا زوجاتهم بمعصية الله. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم"اهـ.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (7/ 161): "الفتوى رقم 6093، السؤال: ما حكم الإسلام في إزالة شعر الوجه واقصد بالذات منطقة الشارب إذا كان الشعر فيها ظاهر أو متوسط هل يحل إزالته أم هو داخل في دائرة النمص وكذلك شعر الساقين والذراعين؟
الجواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد: لا حرج على المرأة في إزالة شعر الشارب والفخذين والساقين والذراعين وليس هذا من التنمص المنهي عنه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم"اهـ.
ولعل تسويتهم بين الحلق والقص والنتف، من جهة أنها جميعها فيها إزالة للشعر، فهي بمعنى النتف.
لكن الواقع أن كتب اللغة قصـرت النمص على النتف، وكتب المذهب الحنبلي قصرت النمص على النتف، وكذا عند المالكية.
والحلق في اللغة هو إزالة الشعر، سواء بالموسى أو بغيره؛ فقول ابن مسعود: "أتحلقينه" يعني أتزيلين شعره. قال في القاموس المحيط (ص: 875): "وحَلَقَ رأسَه يَحْلِقُهُ حَلْقاً وتَحْلاقاً: أزالَ شَعَرَه"اهـ. والمراد الجبين أو الحاجبين على الخصوص لأنهما فيه.
فإن سلم التوجيه؛ وإلا فإن الرواية شاذة، فإن العريان بن الهيثم خالف رواية الثقات بذكر هذا، والله الموفق.
يبقى النظر في علة لعن النامصة والمتنمصة؛
أخرج البخاري تحت رقم (4886)، ومسلم تحت رقم (2125)، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الوَاشِمَاتِ وَالمُوتَشِمَاتِ، وَالمُتَنَمِّصَاتِ وَالمُتَفَلِّجَاتِ، لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ» فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ يَعْقُوبَ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَقَالَ: وَمَا لِي أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ، فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ، قَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ، أَمَا قَرَأْتِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ، قَالَتْ: فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ، قَالَ: فَاذْهَبِي فَانْظُرِي، فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ، فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا، فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعْتُهَا".
وظاهر الحديث لعن من تفعل ذلك مطلقاً، وهو فهم ابن مسعود رضي الله عنه راوي الحديث.
وفهم راوي الحديث مقدّم على فهم غيره.
من أجل ذلك اعتبر أحمد بن حنبل رحمه الله النهي، فمنع من نتف الشعر مطلقا، والظاهر أنه يقصد شعر الوجه.
لكن عورض هذا بأمور؛
الأول: أن تزين المرأة لزوجها مطلوب لتحصينه.
الثاني: أنه ورد عن عائشة رضي الله عنها ما يشعر بجواز ذلك، تزيناً للزوج، ففي مسند ابن الجعد (ص: 80، تحت رقم 451) قال: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، أنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: دَخَلَتِ امْرَأَتِي عَلَى عَائِشَةَ، وَأُمُّ وَلَدٍ لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَقَالَتْ لَهَا أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: إِنِّي بِعْتُ مِنْ زَيْدٍ عَبْدًا بِثَمَان مِائَةٍ نَسِيئَةً، وَاشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: «أَبْلِغِي زَيْدًا أَنْ قَدْ أَبْطَلْتَ جِهَادَكَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنْ تَتُوبَ، بِئْسَ مَا شَرَيْتَ، وَبِئْسَ مَا اشْتَرَيْتَ» . وَسَأَلَتْهَا امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي وَجَدْتُ شَاةً، وَقَدْ عَرَّفْتُهَا، وَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا. فَقَالَتْ لَهَا: «عَرِّفِي، وَاحْلِبِي، وَاعْلِفِي» . قَالَ: وَسَأَلَتْهَا امْرَأَتِي عَنِ الْمَرْأَةِ تَحُفُّ جَبِينَهَا فَقَالَتْ: «أَمِيطِي عَنْكِ الْأَذَى مَا اسْتَطَعْتِ». فقالوا: هذه عائشة تجوز الحف للجبين لذات الزوج. فقد أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في المصنف (3/ 146، تحت رقم 5104)، قال: عَنْ مَعْمَرٍ، وَالثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ امْرَأَةِ ابْنِ أَبِي الصَّقْرِ، أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ فَسَأَلَتْهَا امْرَأَةٌ؟ فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ فِي وَجْهِي شَعَرَاتٌ أَفَأَنْتِفُهُنَّ أَتَزَيَّنُ بِذَلِكَ لِزَوْجِي؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: «أَمِيطِي عَنْكِ الْأَذَى، وَتَصَنَّعِي لِزَوْجِكِ كَمَا تَصَنَّعِينَ لِلزِّيَارَةِ، وَإِذَا أَمَرَكِ فَلْتُطِيعِيهِ، وَإِذَا أَقْسَمَ عَلَيْكِ فَأَبِرِّيهِ، وَلَا تَأْذَنِي فِي بَيْتِهِ لِمَنْ يَكْرَهُ».
ثالثاً: أنه بناء على أن التزين للزوج مطلوب، فيكون اللعن والتحريم في حق من لا زوج لها تفعله تدليساً، أو ممنوعة من الزينة للحداد، أو لأجل ظهورها للأجانب.
أقول: اعتمد هذا جمهور الحنفية والمالكية والشافعية.
وقال به ابن الجوزي من الحنابلة، فهو يقول في كتابه (كشف المشكل من حديث الصحيحين) (1/ 274): "وَظَاهر هَذَا الحَدِيث أَن الْكَلَام مُطلق فِي حق كل من فعل هَذَا. وَقَول ابْن مَسْعُود يدل على ذَلِك. 
وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ المتصنعات من النِّسَاء للفجور، لِأَن مثل هَذَا التحسن دأبهن. 
وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهن المموهات على الرِّجَال بِمثل هَذِه الْأَفْعَال لتغر المتزوج"اهـ.
وقال رحمه الله في كتابه (أحكام النساء ص253 – 254): "وظاهر هذه الأحاديث تحريم هذه الأشياء التي قد نخى عنها على كل حال. وقد أخذ بإطلاق ذلك ابن مسعود على ما روينا.
ويحتمل أن ذلك قد كان شعار الفاجرات ، فيكن المقصودات به.
أو أن يكون مفعولا للتدليس غلى الرجل، فهذا لا يجوز.
أو يكون يتضمن تغيير خلق الله: كالوشم الذي يؤذي اليد ويؤلمها، و لا يكاد يستحسن، وربما أثر القشر في الجلد تحسنا في العاجل، ثم يتأذى به الجلد فيما بعد.
و أما الأدوية التي تزيل الكلف وتحسن الوجه للزوج، فلا أرى بها بأساً، وكذلك أخذ الشعر من الوجه للتحسن للزوج، ويكون حديث النامصة محمولا على أحد الوجهين الأولين.
قال لنا شيخنا عبدالوهاب بن المبارك الأنماطي: إذا أخذت المرأة الشعر من وجهها لأجل زوجها بعد رؤيته إياها فلا بأس به، وإنما يذم إذا فعلته قبل أن يراها لأن فيه تدليسا"اهـ
وذهب أحمد بن حنبل إلى منع نتف شعر الوجه على العموم، وأباح الحف بالمقص، أو بالموسى، وذلك إعمالاً للفظ الحديث، وعملا بفقه راويه ابن مسعود، ولأنه ذكر أنه مُثْلة.
ففي كتاب الوقوف والترجل من مسائل الإمام أحمد (ص: 125): "72- أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَّ مُهَنَّا بْنَ يَحْيَى حَدَّثَهُمْ قَالَ:سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّتْفِ؟
فَقَالَ: أَكْرَهُهُ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ جَمِيعًا.
قُلْتُ: لِمَ تَكْرَهُهُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؟
قَالَ: يَقُولُونَ: النتف مثله"اهـ.
ولأن زينة المرأة لزوجها لا تتعين بالنتف.
ولأن ما ورد عن عائشة لا يتعين أنه بالنتف. سلمنا بناء على الرواية التي عند عبدالرزاق، فنقول: الاستدلال بقول عائشة يحتاج إلى إثبات أنها تعلم بحديث النهي عن النمص، ولا توجد رواية صحيحة في ذلك.

والله الموفق.