السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الاثنين، 25 يوليو 2016

سؤال وجواب ٣٣١: لماذا لا نقول الأصل تحريم تغيير خلق الله


سؤال : 
لماذا لا نقول الأصل تحريم تغيير خلق الله، لأن الشيطان توعد بما جاء في الآية الكريمة: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾، إلا ما خص بالسنة مثل حديث خصال الفطرة وتغيير الشيب أو ما خص بعرف الصحابة كثقب الاذان للنساء؟
الجواب : 
لا يظهر أن الآية تشير إلى المعنى الذي ذكر في السؤال حتى يكون هو أصلاً!
والآية كما في سياقها قوله تعالى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121) } [النساء: 117 - 121]
و لا يتعين في الآية أن المراد بتغيير خلق الله هو التغيير الظاهر على الأجسام، ففي زاد المسير في علم التفسير (1/ 474)، قال: "وفي المراد بتغيير خلق الله خمسة أقوال: 
أحدها: أنه تغيير دين الله، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال الحسن في رواية، وسعيد بن المسيّب وابن جبير والنخعي والضحاك والسدي وابن زيد ومقاتل. وقيل: معنى تغيير الدّين: تحليل الحرام وتحريم الحلال. 
والثاني: أنه تغيير الخلق بالخصاء، رواه عكرمة عن ابن عباس، وهو مرويٌ عن أنس بن مالك، وعن مجاهد وقتادة وعكرمة، كالقولين. 
والثالث: أنه التغيير بالوشم، وهو قول ابن مسعود، والحسن في رواية.
والرابع: أنه تغيير أمر الله، رواه أبو شيبة عن عطاء. 
والخامس: أنه عبادة الشمس والقمر والحجارة، وتحريم ما حرّموا من الأنعام، وإِنما خلق ذلك للانتفاع به، قاله الزجاج"اهـ.
ورجح الطبري رحمه الله القول الأول، قال في تفسيره/ تحقيق شاكر (9/ 222): "وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك، قولُ من قال: معناه: ﴿ولآمرنهم فليغيرن خلق الله﴾، قال: دين الله؛
وذلك لدلالة الآية الأخرى على أن ذلك معناه، وهي قوله: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾، [سورة الروم: 30].
وإذا كان ذلك معناه، دخل في ذلك فعل كل ما نهى الله عنه: من خِصَاءِ ما لا يجوز خصاؤه، ووشم ما نهى عن وشمه وَوشْرِه، وغير ذلك من المعاصي، ودخل فيه ترك كلِّ ما أمر الله به؛ لأن الشيطان لا شك أنه يدعو إلى جميع معاصي الله وينهى عن جميع طاعته. فذلك معنى أمره نصيبَه المفروضَ من عباد الله، بتغيير ما خلق الله من دينه"اهـ
وأيد ترجيحه بدقيقة في سياق الآية، بأن الله جل وعلا قال قبلها: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَام﴾، فلو كان المراد بتغيير خلق الله الظاهر على الأجسام، لكان في الآية تكرار، [لأن تبتيك آذان الأنعام من تغيير خلق الله الذي هو أجسام. وقد مضى الخبر عنه أنه وَعْد الآمر بتغيير خلق الله من الأجسام مفسَّرًا، فلا وجه لإعادة الخبر عنه به مجملا إذ كان الفصيح في كلام العرب أن يُترجم عن المجمل من الكلام بالمفسر، وبالخاص عن العام، دون الترجمة عن المفسر بالمجمل، وبالعام عن الخاص. وتوجيه كتاب الله إلى الأفصح من الكلام، أولى من توجيهه إلى غيره، ما وجد إليه السبيل].
قلت : ويؤيده ما في صحيح مسلم، عن عياض بن حِمَار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: إني خلقتُ عبادي حُنَفَاء، فجاءتهم الشياطين فْاجْتَالَتْهُم عن دينهم، وحَرّمت عليهم ما أحللت لهم" .
وعليه فليس في الآية ما ينبيء أن الأصل أن تغيير خلق الله حرام =، وفاعله متبع لأمر الشيطان.
والله الموفق.
ملحوظة : 

ليس في منشوري السابق عن معنى (المغيرات خلق الله) أن الأصل هو إباحة تغيير خلق الله، بالعكس فيه أن تغيير خلق الله لا يحكم فيه، إلا بعد النظر، فإنه تارة يكون حراماً، وتارة يكون مكروها، وتارة يكون مباحاً وتارة يكون واجبا، وتارة مستحباً. والله الهادي.