السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الاثنين، 25 يوليو 2016

قال وقلت ١٣٥: المحكم البين أن قوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} من المتشابه


قال : قول الله: ﴿ومن يتولهم منكم فإنه منهم﴾ نص محكم ليس من المتشابهات، سُئل العلامة عبد الله بن عبد اللطيف عن الفرق بين الموالاة والتولي؟ فأجاب بأن التولي: "كفر يخرج عن الملة، وهو كالذَّبِّ عنهم وإعانتهم بالمال والبدن والرأي"أهـ، فالمحكم الواضح الدلالة في هذه الآية أن من تولى الكافرين وظاهرهم على المسلمين فإنه يكون كافراً وإن كان توليه لهم لأمر دنيوي فليس بمانع من كفره لأنه استحب الحياة الدنيا على الآخرة.
قلت : بل المحكم البين أن قوله تعالى: ﴿ومن يتولهم منكم فإنه منهم﴾، من المتشابه، لأن التولي والموالاة هي المحبة والنصرة، فإن أخذت بظاهر الآية لزم أن كل حب ونصرة للكفار هي كفر أكبر مخرج من الملة، لأن ظاهر الآية أن صاحب ذلك يصير منهم، أي من الكفار.
وهذا المعنى غير مراد قطعاً، بدليل قوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الممتحنة: 8 - 10].
فهذه الآية أخرجت البر بالكفار غير الحربيين عن أن يكون من موالاة الكفار التي هي كفر مخرج من الملة.
وبدليل قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [الممتحنة: 1].
فانظر كيف بدأ الآية بالنداء بوصف الإيمان، يخاطب من اتخذ الكفار أولياء، بل الكفار الأعداء لله وللمؤمنين، فدل ذلك على أن ظاهر الآية غير مراد أعني قوله تعالى: ﴿ومن يتولهم منكم فإنه منهم﴾.
وبدليل قوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت: 8]، وقوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [لقمان: 14، 15].
فهاتان الآيات تدلان على الأمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين الكافرين، والإحسان إليهما وإن جاهداك على الشرك! فدلت على أن قوله تعالى: ﴿ومن يتولهم منكم فإنه منهم﴾ ليس على ظاهره.
فإذا تعين بما تقدم من الآيات أن قوله تعالى: ﴿ومن يتولهم منكم فإنه منهم﴾، لا يراد منه ظاهره، وأنه مخصص من عدة أوجه تبين إن شاء الله أنه من المتشابه.

والله الهادي.