السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الأربعاء، 22 أكتوبر 2014

شبهة والرد عليها ٢: الإمام محمد بن عبد الوهاب والإمام محمد بن سعود لم يخرجا على الدولة العثمانية.


شبهة:
«الإمام محمد بن عبد الوهاب، والإمام محمد بن سعود خرجا على الدولة العثمانية».

ولرد هذه الشبهة أقول:
لم تكن نجد أصلاً تحت النفوذ العثماني المباشر القوي، حتى يعتبر الإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- ومعه الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- خارجان عليها (انظر عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأثرها في العالم الإسلامي (٢٧/١) للدكتور صالح العبود، و كتاب محمد بن عبد الوهاب حياته وفكره ص: ١١، للدكتور عبدالله بن عثيمين).
وقد قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله-:
«لم يخرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على دولة الخلافة العثمانية فيما أعلم وأعتقد، فلم يكن في نجد رئاسة ولا إمارة للأتراك، بل كانت نجد إمارات صغيرة وقرى متناثرة وعلى كل بلدة أو قرية -مهما صغرت- أمير مستقل... وهي إمارات بينها قتال وحروب ومشاجرات، والشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يخرج على دولة الخلافة، وإنما خرج على أوضاع فاسدة في بلده، فجاهد في الله حق جهاده، وصابر وثابر حتى امتد نور هذه الدعوة إلى البلاد الأخرى ...» اهـ.((ندوة مسجلة على الأشرطة) بواسطة (دعاوى المناوئين) ص ٢٣٧).
هذا مع ما هو معلوم تاريخياً من احترام الشيخ محمد بن عبدالوهاب لدولة الأشراف في الحجاز (انظر مركز الفتوى بإشراف د. عبدالله الفقيه)، ومحاولته دعوتهم إلى تحقيق التوحيد لرب العالمين، وقد استجاب له الشريف غالب -رحم الله الجميع-.
قال صالح بن عبدالله العبود: «وأما ما يقال قديماً وحديثاً من أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأئمة السعوديين خرجوا على جماعة المسلمين، الدولة العثمانية، فهو غير صحيح؛ لأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود، ومن قام بمؤازرتهما من آل سعود وغيرهم، إنما قاموا بنصرة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، لا غير ذلك، ولو وجدوا من يقوم بنصرتها في ظل الدولة العثمانية، لانقادوا له بالسمع والطاعة، و قد كان الأمير عبد العزيز بن محمد والشيخ يناشدان الشريف بأن يقوم بنصرة دين جده محمد - صلى الله عليه وسلم -، ويوقع الأمير عبد العزيز في خطابه للشريف بلقب الخادم، ولنذكر مثالاً لذلك: ذكر الشيخ حسين بن غنام في تاريخه في السنة الخامسة والثمانين بعد المائة والألف ((١) (٨٠/٢-٨١)). 
أن الشيخ وعبد العزيز أرسلا إلى والي مكة أحمد بن سعيد الشريف هدايا، وكان قد كاتبهم وراسلهم، وطلب منهم أن يرسلوا فقيهًا وعالمًا من جماعتهم يبين لهم حقيقة ما يدعون إليه من الدين، ويحضر عند علماء مكة، فأرسل إليه الشيخ وعبد العزيز الشيخ عبد العزيز الحصين، وكتب معه إلى الشريف رسالة، وهذه نسختها وهي: «بسم الله الرحمن الرحيم المعروض لديك أدام الله فضل نعمه عليك حضرة الشريف أحمد بن الشريف سعيد -أعزه الله في الدارين وأعز به دين جده سيد الثقلين- إن الكتاب لما وصل الخادم وتأمل ما فيه من الكلام الحسن رفع يديه بالدعاء إلى الله بتأييد الشريف لما كان قصده نصر الشريعة المحمدية ومن تبعها، وعداوة من خرج عنها، وهذا هو الواجب على ولاة الأمر، ولما طلبتم من ناحيتنا طالب علم امتثلنا الأمر، وهو واصل إليكم في مجلس الشريف -أعزه الله تعالى- هو وعلماء مكة، فإن اجتمعوا فالحمد لله على ذلك، وإن اختلفوا أحضر الشريف كتبهم وكتب الحنابلة، والواجب على كل منا ومنهم أن يقصد بعلمه وجه الله ونصر رسوله كما قال تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين} إلى قوله: {لتؤمنن به ولتنصرنه}، فإذا كان الله سبحانه قد أخذ الميثاق على الأنبياء إن أدركوا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- على الإيمان به ونصرته فكيف بنا يا أمته، فلا بد من الإيمان به، ولا بد من نصرته، لا يكفي أحدهما عن الآخر، وأحق الناس بذلك وأولاهم أهل البيت الذين بعثه الله منهم، وشرفهم على أهل الأرض، وأحق أهل البيت بذلك من كان من ذريته -صلى الله عليه وسلم-، وغير ذلك يعلم الشريف -أعزه الله- أن غلمانك من جملة الخدام، ثم أنتم في حفظ الله وحسن رعايته» اهـ.
قال ابن غنام رحمه الله: «فلما وصل إليهم عبد العزيز المذكور نزل على الشريف الملقب بالفعر واجتمع هو وبعض علماء مكة عنده، وهم: يحيى بن صالح الحنفي، وعبد الوهاب بن حسن التركي مفتي السلطان، وعبد الغني بن هلال، وتفاوضوا في ثلاث مسائل، وقعت المناظرة فيها:
الأولى: ما نسب إلينا من التكفير بالعموم.
والثانية: هدم القباب التي على القبور.
الثالثة: إنكار دعوة الصالحين للشفاعة.

فذكر لهم الشيخ عبد العزيز أن نسبة التكفير بالعموم إلينا زور وبهتان علينا. وأما هدم القباب فهو الحق والصواب كما هو مسطور في غير كتاب، وليس لدى العلماء فيه شك ولا ارتياب. وأما دعوة الصالحين وطلب الشفاعة منهم والاستغاثة بهم في النوازل فقد نص عليه الأئمة الفواضل وقرروا أنه من الشرك الذي فعله الأوائل، ولا يجادل في جوازه إلا كل ملحد جاهل، فأحضروا من كتب الحنابلة الإقناع فرأوا عبارته في الوسائط وحكايته الإجماع، فصار لهم بتلك العبارة اقتناع، ولهم إلى الإقرار إسراع، وتفوهوا بأن هذا دين الله وانتشر فيما بينهم وشاع، وقالوا هذا مذهب الإمام المعظم وانصرف عنهم عبد العزيز مبجلاً مكرم (هكذا)» اهـ. (المراد الشرعي بالجماعة وأثر تحقيقه في إثبات الهوية الإسلامية أمام عولمة الإرهاب والفتنة/ طبع ضمن فعاليات حملة التضامن الوطني ضد الإرهاب، الطبعة الثانية 1426هـ بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية/ ص45 - 46.).