السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الأربعاء، 22 أكتوبر 2014

شبهة والرد عليها ٩: الحكم بغير ما أنزل الله تعالى لم تقع فيه الدولة السعودية


شبهة:
«كيف نسمع لولاة الأمر وهم لا يحكمون شرع الله تعالى، والحاكمية له سبحانه دون سواه. 
- {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}. (الأنعام: من الآية:  ٥٧).
- {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ }. (الأنعام: ٦٢).
- {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}. (يوسف: من الآية: ٤٠).
- {وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. (القصص: ٧٠). 
- {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. (القصص: ٨٨)».


والرد على هذه الشبهة:

هذه الشبهة مجملة، وصاحبها أطلق الكلام هكذا دون تفصيل؛ وللرد عليها أقول:

أولاً:  الحكم بغير ما أنزل الله تعالى لم تقع فيه الدولة السعودية والحمد 
لله، بل قرر العلماء الأجلاء، الذين -نحسبهم والله حسيبهم- لا تأخذهم في الله لومة لائم ذلك.

قال مفتي عام المملكة العربية السعودية الإمام محمد بن إبراهيم -رحمهُ اللهُ-: 
«والحكومة بحمد الله دستورها الذي تحكم به هو: كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وقد فتحت المحاكم الشرعية من أجل ذلك تحقيقًا لقول الله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ} وما عدى ذلك فهو من حكم الجاهلية الذي قال الله تعالى فيه: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}». (فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (١٢/٢٨٨)).

وجاء في فتاوى الشيخ -رحمهُ اللهُ-: 
«(٤٠٣٣- الحكومة السعودية لم تحكم بقانون وضعي مطلقاً).
من محمد بن إبراهيم إلى سعادة وكيل وزارة الخارجية.......... -سلمه الله-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد جرى الإطلاع على خطابكم رقم: ٣١/١/٢/٢٧٥٨/٣ وتاريخ: ٢/٣/٨٦ ومشفوعه خطاب سفارة جلالة الملك في القاهرة بخصوص استفسار محكمة عابدين للأحوال الشخصية، عن حكم القانون السعودي فيما يتعلق بنفقة الصغار، ونرغب منكم إشعار هذه المحكمة أن الحكومة السعودية -أيدها الله بتوفيقه ورعايته- لا تحتكم إلى قانون وضعي مطلقاً، وإنما محاكمها قائمة على تحكيم شريعة الله تعالى، أو سنة رسوله، أو انعقد على القول به إجماع الأمة، إذ الاحتكام إلى غير ما أنزل الله طريق إلى الكفر والظلم والفسوق، قال تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ}.
وقال تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ( ٤٩) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ...»
مفتي البلاد السعودية ( ص/ ف ٣٤٦٠/١ في ٢١/١١/١٣٨٦).

وقال -رحمهُ اللهُ-: «فحكومتنا بحمد الله شرعية دستورها: كتاب الله تعالى، وسنة رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-». (فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (١٢/٣٤١)).
وقال -رحمهُ اللهُ-: «وعليه نشعركم أن الذي يتعين على المحكمة هو النظر في كل قضية ترد إليها بالوجه الشرعي، وهذا ولا بد هو الذي يريده جلالة الملك ورئيس مجلس الوزراء -حفظه الله ووفقه-، وهو دستور دولته الذي يحرص دائماً على التمسك به، وعدم مناقضته، أو الحكم بخلافه. والله يحفظكم». (فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (١٢/٢٧٠)). 

وقال سماحة الإمام الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله تعالى- في تنبيهات وتعقيبات له على بعض ما جاء في بعض كتب وأشرطة الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق: "ثالثاً: ذكرتم في كتابكم: خطوط رئيسية لبعث الأمة الإسلامية ص٧٢-٧٣ ما نصه: 
إن دولنا العربية والإسلامية بوجه عام لا ظل للشريعة فيها إلا في بعض ما يسمى بالأحوال الشخصية. وأما المعاملات المالية والقوانين السياسية والقوانين الدولية، فإن دولنا جميعها بلا استثناء خاضعة لتشريع الغرب أو الشرق، وكذلك قوانين الجرائم الخلقية والحدود مستوردة مفتراة.. الخ ما ذكرتم ص ٧٨.
وهذا الإطلاق غير صحيح؛ فإن السعودية -بحمد الله- تحكم الشريعة في شعبها، وتقيم الحدود الشرعية، وقد أنشأت المحاكم الشرعية في سائر أنحاء المملكة، وليست معصومة لا هي ولا غيرها من الدول. 
وقد بلغني أن حكومة بروناي قد أمر سلطانها بتحكيم الشريعة في كل شيء، وبكل حال، فالواجب الرجوع عن هذه العبارة، وإعلان ذلك في الصحف المحلية في المملكة العربية السعودية والكويت، ولو عبرت بالأكثر لكان الموضوع مناسباً؛ لكونه هو الواقع في الأغلب. نسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق». (الفتاوى (لابن باز) (٨/٢٤١)).

ثانياً: الحكم بغير ما أنزل الله منه ما هو كفر أكبر مخرج من الملة، إذا استحل، أو اعتقد فيه أنه أفضل، أو مساوي لشرع الله، أو أنه الصالح لزماننا بخلاف حكم الله تعالى.

ويكون الحكم بغير ما أنزل الله كفر دون كفر في غير ذلك إذا فعله الحاكم لشهوة أو مصلحة دنيوية، مع اعتقاده أن حكم الله هو الحق وهو الواجب، وأنه مقصر ومذنب في حكمه بغير ما أنزل الله تعالى!
قال الشيخ العلامة ابن باز -رحمه الله تعالى-: «من حكم بغير ما أنزل الله فلا يخرج عن أربعة أمور:
- من قال: «أنا أحكم بهذا؛ لأنه أفضل من الشريعة الإسلامية». فهذا كافر كفراً أكبر.
- ومن قال: «أنا أحكم بهذا؛ لأنه مثل الشريعة الإسلامية، فالحكم بهذا جائز وبالشريعة جائز». فهو كافر كفراً أكبر.
- ومن قال: «أنا أحكم بهذا، والحكم بالشريعة الإسلامية أفضل، لكن الحكم بغير ما أنزل الله جائز». فهو كافر كفراً أكبر.
- ومن قال: «أنا أحكم بهذا». وهو يعتقد أن الحكم بغير ما أنزل الله لا يجوز، ويقول الحكم بالشريعة الإسلامية أفضل، ولا يجوز الحكم بغيرها، ولكنه متساهل، أو يفعل هذا لأمر صادر من حكامه، فهو كافر كفراً أصغر لا يخرج من الملة، ويعتبر من أكبر الكبائر» اهـ. ((التحذير من التسرع في التكفير) (٢٢) للعريني. بواسطة (السنة فيما يتعلق بولي الأمة) ص: ٥٧).

وفائدة هذا التفصيل تظهر في حال لو سلمنا وقوع ولاة الأمر في الحكم بغير ما أنزل الله، فإنه لا يجوز الحكم بكفرهم إلا في الأول دون الثاني؛ لأنه لابد من التثبت في كون الذي صدر من الحاكم كفراً بواحاً عندنا من الله فيه برهان. 

عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ 
قُلْنَا: أَصْلَحَكَ اللَّهُ حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ قَالَ: «دَعَانَا النَّبِيُّ فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ: فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ».

فالحديث يقرر أن الأصل في الحاكم المسلم الحكم بإسلامه، وأن لا ينقل عن ذلك إلا بيقين، «إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ»،

وعلى هذا فإن مجرد الظن والشك لا يصح معه الحكم بكفر الحاكم، وما دام الحال كذلك يرجع إلى الأصل وهو الحكم بإسلامه؛ فلا يحكم بكفره زيادة على ثبوت الشروط وانتفاء الموانع، وقيام الحجة، حتى تتحقق خمسة أمور:

الأول: أن نرى منه كفراً، فأحال إلى الرؤية، والأصل أنها الرؤية البصرية، والمراد أن يتحقق هذا الأمر من الحاكم، ويثبت بيقين؛ فلا يكفي فيه مجرد القول، والزعم، والنقل للخبر بدون تحقق ذلك يقيناً، ويحققه: أن القاعدة أن من ثبت إسلامه بيقين لا يزول عنه إلا بيقين.

الثاني: أن يكون ذلك ثابتًا للجماعة، وهذا مأخوذ من دلالة واو الجماعة: «إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ».

الثالث: أن يكون الأمر كفراً، فلا يكفي كونه كبيرة من الكبائر!

الرابع: أن يكون ظاهراً، وهذا معنى «بواحاً».

الخامس: عندنا في هذا الأمر الدليل والبرهان والحجة من الله تعالى، في أنه كفر، فالأمر المختلف فيه لا يكفر به.

وإلا فإن ما صدر منه يعتبر من نوع الذنوب والمعاصي، لا الكفر المخرج من الملة، وسبق (هنا) أنه يجب طاعة ولاة الأمر وإن فسقوا وفجروا، ما لم يصدر منهم كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان.