السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الأربعاء، 22 أكتوبر 2014

لفت نظري٢: أن بعض الناس يستدل بأن بعض أهل العلم قد ضعف أحاديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم


لفت نظري:
أن بعض الناس يستدل بأن بعض أهل العلم قد ضعف أحاديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم؛ ليتوصل بذلك إلى أنه لا يوثق بأحاديث الصحيحين؛ وهذا الاستدلال فيه نظر لما يأتي:

أولاً:  مع التسليم بأنه لا معصوم إلا الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأن البخاري ومسلم غير معصومين، وهما بشر يصيبان ويخطئان، إلا أننا نقول: اجتمعت الأمة على تلقي أحاديث الصحيحين بالقبول، إلا أحرفاً يسيرة انتقدت عليهما.

ثانياً: ويبنى على هذا أنه لا يفتح الباب في الطعن، وعدم الثقة بأحاديث الصحيحين، ويتقيد ذلك بدائرة الأحرف اليسيرة التي انتقدت عليهما فقط. وعليه فإن فتح الباب للطعن في أحاديثهما، وعدم الثقة بهما قول غير مقبول، معارض بالإجماع.

ثالثاً: أذكّر هنا بأمر وهو: أن الانتقادات التي وجهت من العلماء على الأحرف اليسيرة من أحاديث الصحيحين، لا تقتضي جميعها ضعف الأحاديث؛
فمنها ما هو من باب الإلزام، كأن يقال: «أخرجت حديث فلان من رواية فلان عنه، وهو موجود من رواية غيره أوثق منه».
أو أن يقال: «أخرجت الحديث من الطريق الفلاني، وهو موجود من طريق آخر أرجح منه»، فكان يلزمك إخراجه.

وقد يأتي في النقد أن يقال: «فلان متكلم فيه، فكيف يخرج عنه البخاري أو مسلم؟»

والجواب: 
أن الشيخين إنما يخرجان لمن فيه كلام في مواضع معروفة؛

أحدها: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذاك الكلام لا يضره في روايته البتة، كما أخرج البخاري لعكرمة.

الثاني: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذاك الكلام إنما يقتضي أنه لا يصلح للاحتجاج به وحده، ويريان أنه يصلح لأن يحتج به مقرونًا، أو حيث تابعه غيره ونحو ذلك.

ثالثها: أن يريا أن الضعف الذي في الرجل خاص بروايته عن فلان من شيوخه، أو برواية فلان عنه، أو بما يسمع منه من غير كتابه، أو بما سمع منه بعد اختلاطه، أو بما جاء عنه عنعنة وهو مدلس، ولم يأت عنه من وجه آخر ما يدفع ريبة التدليس. فيخرجان للرجل حيث يصلح ولا يخرجان له حيث لا يصلح». (التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، (٦٩٢)).

وقد يخرجان عن المتكلم فيه إذا كان من شيوخهما لأمر يتعلق بمعرفتهم بصحيح حديثه، كما ذكر ابن حجر في هدي الساري (ص: ٣٩١)، قال: «وروينا فِي مَنَاقِب البُخَارِيّ بِسَنَد صَحِيح أَن إِسْمَاعِيل (يعني: بن أبي أويس) أخرج لَهُ أُصُوله، وَأذن لَهُ أَن ينتقي مِنْهَا، وَأَن يعلم لَهُ على مَا يحدث بِهِ؛ ليحدث بِهِ، ويعرض عَمَّا سواهُ، وَهُوَ مشْعر بِأَن مَا أخرجه البُخَارِيّ عَنهُ هُوَ من صَحِيح حَدِيثه؛ لِأَنَّهُ كتب من أُصُوله. وعَلى هَذَا لَا يحْتَج بِشَيْء من حَدِيثه غير مَا فِي الصَّحِيح من أجل مَا قدح النَّسَائِيّ وَغَيره في [إسماعيل]، إِلَّا أَن شَاركهُ فِيهِ غَيره فَيعْتَبر فِيهِ»اهـ بتصرف يسير.


المقصود: أن جملة أحاديث الصحيحين قد انعقد الإجماع على قبولها، إلا أحرفاً يسيرة، ولا ينبغي فتح الباب في التشكيك في أحاديثهما، أو الطعن فيها، إلا الأحرف اليسيرة المنتقدة منهما، التي خرجت عن محل الإجماع، والله الموفق.